وقوله:(إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُني رَبِّي، ويَسْقِينِي) قال النوويّ: قال أهل اللغة: يقال: ظَلّ يفعل كذا: إذا عمله في النهار دون الليل، وبات يفعل كذا: إذا عمله في الليل، ومنه قول عنترة [من الكامل]:
أي أَظل عليه، فيستفاد من هذه الرواية دلالة للمذهب الصحيح الذي قدّمناه في تأويل "أبيت يطعمني ربي"؛ لأن ظلَّ لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أكلاً حقيقيًّا في النهار. انتهى كلامه (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم ترجيح القول بحمل الحديث على ظاهره؛ لأنه لا مانع منه، وأما ما قاله النوويّ من أن "ظَلّ" لا يكون إلا في النهار، فليس كما قال، فقد يُستعمل لمطلق الوقت، قال في "الفتح" ما حاصله: وقع في حديث أنس بلفظ: "أظلّ"، وكذا في حديث عائشة عند الإسماعيليّ، وهي محمولة على مطلق الكون، لا على حقيقة اللفظ؛ لأن المتحدَّث عنه هو الإمساك ليلاً لا نهاراً، وأكثر الروايات إنما هي "أَبيتُ"، وكأنّ بعض الرواة عَبَّر عنها بـ "أظلُّ" نظراً إلى اشتراكهما في مطلق الكون، يقولون كثيراً: أضحى فلان كذا مثلاً، ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى، ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}[النحل: ٥٨]، فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل. انتهى المقصود منه.
فقد تبيّن بهذا أن المراد بـ "أَظَلّ" مطلق الكون، لا خصوص النهار، كما هو المراد في الآية المذكورة، فلا ينافي حمل الحديث على ظاهره، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: