للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأم سلمة - رضي الله عنها - هو القول بالنسخ، كما هو قول المحقّقين، كابن خزيمة، وابن المنذر، وابن دقيق العيد، وابن حجر، وغيرهم؛ لقوّة دليله، كما تقدّم تفصيله، وأقواها دلالة آية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧]، الآية، فقد دئت الآية على صحة صوم من أدركه الفجر، وهو جنب، كما مرّ توجيهه قريبًا، فتبصّر.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر الاختلافات ما نصّه: وعلى الجملة فذلك الحكم -يعني الحكم ببطلان صوم من أصبح جنبًا - متروك عند جمهور العلماء بظاهر القرآن، وصحيح الأحاديث، والخلاف فيه من قبيل الخلاف الشاذّ. انتهى (١).

وقال ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد ثبت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصائم يصبح جنبًا ما فيه شفاءٌ وغِنًى واكتفاءٌ عن قول كلّ قائل، من حديث عائشة وغيرها، ودلّ كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - على مثل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]، وإذا أبيح الجماع، والأكل، والشرب، حتى يتبين الفجر، فمعلوم أن الغسل لا يكون حينئذ إلَّا بعد الفجر، وقد نَزَع بهذا جماعة من العلماء، منهم ربيعة، والشافعيِّ، وغيرهما، ومن الحجة أيضًا فيما ذهب إليه الجماعة في هذا الباب إجماعهم على أن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصيام، فترك الاغتسأل من جنابة تكون ليلًا أحرى أن لا يفسد الصوم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: قال وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -: في معنى من أصبح جنبًا الحائض، أو النفساء؛ إذا انقطع دمها ليلًا، ثم طلع الفجر قبل اغتسالها، فقال الجمهور بصحة صومها، وخالف فيه بعضهم، قال النوويّ في "شرح مسلم": هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافّةً، إلَّا ما حُكِي عن بعض السلف، مما لا نعلم أصحَّ عنه أم لا؟ قال: وسواء تركت الغسل عمدًا أو سهوًا، بعذر أو بغير عذر، كالجنب.


(١) "المفهم" ٣/ ١٦٨ - ١٦٩.
(٢) "التمهيد" ١٧/ ٤٢٥.