قال وليّ الدين: في حكاية النوويّ إجماع الكافة إلَّا ما لا يعلم صحته نظر، ففي مذهب مالك في وجوب القضاء في هذه الصورة قولان، حكاهما الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة"، وحكاه النوويّ في "شرح المهذّب" عن الأوزاعيّ: أنه لا يصح صوم منقطعة الحيض حتى تغتسل، وحَكَى ابن عبد البر في "الاستذكار" عن عبد الملك بن الماجشون أنَّها إذا أخَّرت غسلها حتى طلع الفجر، فيومها يوم فطر؛ لأنَّها في بعضه غير طاهر، وليست كالذي يصبح جنبًا فيصوم؛ لأن الاحتلام لا ينقض الصوم، والحيض ينقضه، وقال: هذه غفلة شديدةُ، وكيف تكون في بعضه حائضًا، وقد كَمُل طهرها قبل الفجر؛ وحَكَى ابن عبد البرّ أيضًا عن الحسن بن حيّ، أنه رأى عليها قضاء ذلك اليوم، وقد ظهر بذلك أن الخلاف في هذا أشهر، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ ما عليه الجمهور من أن الحائض والنفساء إذا طهرتا قبل الفجر، ثم أدركهما الفجر قبل الاغتسال، صحّ صومهما؛ لعدم ما يمنع منه شرعًا، والذي خالف هذا لَمْ يأت بحجة مقنعة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه" بعد إخراج حديث الباب ما نصّه: "وقال همّام، وابن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالفطر، والأول أسند". انتهى.
قال في "الفتح": أما رواية همام، فوصلها أحمد، وابن حبان من طريق معمر عنه، بلفظ: قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نودي للصلاة صلاةِ الصبح، وأحدكم جنب فلا يصم حينئذ"، وأما رواية ابن عبد الله بن عمر، فوصلها عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب، عن ابن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة به، وقد اختُلِف على الزهريّ في اسمه، فقال شعيب عنه: أخبرني عَبْدُ الله بن عبد الله بن عمر، قال لي أبو هريرة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا، أخرجه النسائيّ، والطبرانيّ في "مسند الشاميين"، وقال عُقيل عنه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به، فاختُلِف على الزهريّ، هل هو عبد الله مكبرًا، أو عبيد الله مصغرًا؟.