قال: وأما قول البخاريّ: "والأول أسند"، فاستشكله ابن التين، قال: لأن إسناد الخبر رفعه، فكأنه قال: إن الطريق الأولى أوضح رفعًا، قال: لكن الشيخ أبو الحسن قال: معناه أن الأول أظهر اتصالًا.
قال الحافظ: والذي يظهر لي أن مراد البخاريّ أن الرواية الأولى أقوى إسنادًا، وهي من حيث المرجحان كذلك؛ لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طُرُق كثيرة جدًّا بمعنى واحد، حتى قال ابن عبد البرّ: إنه صحّ، وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به، وجاء عنه من طريق هذين أنه كان يرفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك وقع في رواية معمر، عن الزهريّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، فذكره، أخرجه عبد الرزاق والنسائيّ من طريق عكرمة بن خالد، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، قال: بلغ مروان أن أبا هريرة يُحَدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره، وله من طريق المقبريّ قال: بعثت عائشة إلى أبي هريرة: لا تحدث بهذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو القاريّ: "سمعت أبا هريرة يقول: ورب هذا البيت ما أنا قلت: من أدرك الصبح، وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله".
لكن بَيَّن أبو هريرة كما مَضَى أنه لَمْ يسمع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم -، وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة، وكأنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يَحلِف على ذلك.
وأما ما أخرجه ابن عبد البرّ، من رواية عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة، أنه قال: كنت حدثتكم: من أصبح جنبًا، فقد أفطر، وأن ذلك من كيس أبي هريرة، فلا يصحّ ذلك عن أبي هريرة؛ لأنه من رواية عُمر بن قيس، وهو متروك.
نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك، إما لرجحان رواية أمَّي المؤمنين في جواز ذلك صريحًا على رواية غيرهما، مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال؛ إذ يمكن أن يُحْمَل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أمَّي المؤمنين