مأخوذًا من هذا الحديث، وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه؛ لأن العلم بالوجوب قد تقدّم، ولم يرد في الحديث ما يدلُّ على الإسقاط؛ لأنه لما أخبره بعجزه، ثم أمره بإخراج العَرَق دلّ على أن لا سقوط عن العاجز، ولعله أخّر البيان إلى وقت الحاجة، وهو القدرة. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما قاله ابن دقيق العيد من التكلّف البعيد عن ظاهر الحديث، وأن من تأمّل بالإنصاف تبيّن له أن القول بأن المكفّر إذا كان محتاجًا يجوز له أن ينفق كفّارته على نفسه، وعلى عياله، كما هو ظاهر الحديث هو الأرجح.
وقال الحافظ بعد ذكر ما تقدّم ما نصّه: وقد ورد ما يدلّ على إسقاط الكفارة، أو على إجزائها عنه بإنفاقه إياها على عياله، وهو قوله في حديث عليّ - رضي الله عنه -: "وكُلْه أنت وعيالك، فقد كفَّر الله عنك"، ولكنه حديث ضعيف، لا يُحتج بما انفرد به.
قال: والحقّ أنه لما قال له - صلى الله عليه وسلم -: "خذ هذا، فتصدق به"، لَمْ يقبضه، بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره، فأَذِنَ له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكًا مشروطًا بصفة، وهو إخراجه عنه في كفارته، فينبني على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط، لكنه لما لَمْ يقبضه لَمْ يملكه، فلما أذن له - صلى الله عليه وسلم - في إطعامه لأهله، وأكلِه منه كان تمليكًا مطلقًا بالنسبة إليه، وإلى أهله، وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان في مال الصدقة، وتصرّف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، واحتَمَلَ أنه كان تمليكًا بالشرط الأول، ومن ثم نشأ الإشكال، والأول أظهر، فلا يكون فيه إسقاط، ولا أكل المرء من كفارة نفسه، ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعد كلام الحافظ هذا من ظاهر النصّ، فلو كان ما ذكره مرادًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَا أهمله، بل بيّن له، وفصَّل له الأمر تفصيلًا لا غموض فيه، فلما قال له بعد أن بيّن له أنه أعطاه ليكفّر به:"اذهب به، فأطعمه أهلك"، وفي رواية ابن إسحاق:"خذها، وكلها، وأنفقها على عيالك"، دلّ على أنه إذا كان محتاجًا إليها أنفقها على نفسه، وعياله، وتكون كفّارته، فليس على ذمته شيء، والله تعالى أعلم.