البيان إلى وقت الحاجة جائز، عند جماهير الأصوليين، وهذا هو الصواب في معنى الحديث، وحكمِ المسألة، وفيها أقوال، وتأويلات أُخَرُ ضعيفة.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ضعّف النوويّ القول بأن المحتاج له إنفاق كفّارته على عياله، كما أمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وأن كفّارته تسقط بذلك، مع أن هذا هو الموافق لظاهر النصّ، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
وقال ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -: تباينت في هذه القصة المذاهب، فقيل: إنه دلّ على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها؛ لأن الكفارة لا تُصْرَف إلى النفس، ولا إلى العيال، ولم يُبَيِّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعية، وجزم به عيسى بن دينار من المالكية، وقال الأوزاعيّ: يستغفر الله، ولا يعود، ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمدٌ تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها، فتستقر في الذِّمة، وليس في الخبر ما يدلُّ على إسقاطها، بل فيه ما يدلّ على استمرارها على العاجز.
وقال الجمهور: لا تسقط الكفارة بالإعسار، والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة، ثم اختلفوا، فقال الزهريّ: هو خاصّ بهذا الرجل، وإلى هذا نحا إمام الحرمين، ورُدّ بأن الأصل عدم الخصوصية، وقال بعضهم: هو منسوخ، ولم يبيِّن قائله ناسخه.
وقيل: المراد بالأهل الذين أُمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه، وهو قول بعض الشافعية، وضُعِّف بالرواية الأخرى التي فيها:"عيالك"، وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك.
وقيل: لما كان عاجزًا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الذي حَمَل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه بأن المرء لا يأكل من كفارة نفسه.
قال الشيخ ابن دقيق العيد: وأقوى من ذلك أن يُجعل الإعطاء، لا على جهة الكفارة، بل على جهة المتصدق عليه، وعلى أهله بتلك الصدقة؛ لما ظهر من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته