للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: وأنا أيضًا تَتبّعت ما لخّصه الحافظ - رَحِمَهُ اللهَ -، فأوردته في هذا الشرح، ولله تعالى الحمد والمنّة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في حكم كفّارة من جامع في نهار رمضان (١): قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ -: مذهبنا، ومذهب العلماء كافّة وجوب الكفارة عليه؛ إذا جامع عامدًا جماعًا أفسد به صوم يوم من رمضان، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب التي تضرّ بالعمل إضرارًا بَيّنًا، فإن عجز عنها فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز، فإطعام ستين مسكينًا، كلّ مسكين مُدّ من طعام، وهو رطل وثلث بالبغداديّ، فإن عجز عن الخصال الثلاث، فللشافعي قولان:

[أحدهما]: لا شيء عليه، وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه، واحتُجّ لهذا القول بأن حديث هذا المجامع ظاهر بأنه لَمْ يستقرّ في ذمته شيء؛ لأنه أخبر بعجزه، ولم يقل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الكفارة ثابتة في ذمته، بل أَذِن له في إطعام عياله.

[والقول الثاني]: وهو الصحيح عند أصحابنا، وهو المختار أن الكفارة لا تسقط، بل تستقرّ في ذمته، حتى يُمَكَّن؛ قياسًا عَلى سائر الديون والحقوق، والمؤاخذات، كجزاء الصيد، وغيره، وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة، بل فيه دليلٌ لاستقرارها؛ لأنه أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الكفارة بأنه عاجز عن الخصال الثلاث، ثم أُتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعرق التمر، فأمره بإخراجه، فلو كانت تسقط بالعجز، لَمْ يكن عليه شيء، ولم يأمره بإخراجه، فدل على ثبوتها في ذمته، وإنما أذن له في إطعام عياله؛ لأنه كان محتاجًا، ومضطرًّا إِلى الإنفاق على عياله في الحال، والكفارة على التراخي، فأذن له في أكله، وإطعام عياله، وبقيت الكفارة في ذمته، وإنما لَمْ يُبَيِّن له بقاءها في ذمته؛ لأن تأخير


(١) قال في "الفتح": الحديث دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافًا لمن شذّ، فقال: لا تجب؛ مستندًا إلى أنه لو كان واجبًا لما سقط بالإعسار، وتُعُقّب بمنع الإسقاط كما سيأتي البحث فيه.