للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلمّا خصّ الله تعالى نبيّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مُدارسة، كان ذلك خارقًا للعادة في حقّه، ومن أوصافه الخاصّة به الدالّة على صدقه التي نُعِت بها في الكتب القديمة، وعُرف بها في الأمم السابقة، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} الآية [الأعراف: ١٥٧]، فقد صارت الأمّيّة في حقّه من أعظم معجزاته، وأجلّ كراماته، وهي في حقّ غيره نقصٌ ظاهرٌ، وعجزٌ حاضرٌ، فسبحان الذي صيّر نقصنا في حقّه كمالًا، وزاده تشريفًا وجلالًا - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

(إِلَيَّ) متعلّق بـ "عهد" (أَنْ) بفتح الهمزة، وسكون النون هي المصدريّة الناصبة للمضارع، قال القرطبيّ: ويحتمل أن تكون المخفّفةَ من الثقيلة، وكذلك رُوي "يُحبّني" بضم الباء وفتحها، وكذلك "يُبغضني"؛ لأنه معطوف عليه. انتهى (٢).

(لَا) نافية (يُحِبَّنِي) بضم أوله، من أحبّه رباعيًّا، ويجوز فتح أوله، وكسر ثالثه، من حبّه ثلاثيًّا، قال الفيّوميّ: أحببت الشئَ بالألف، فهو مُحَبّ، وحَبَبتُه أَحِبّه، من باب ضرب، والقياس أَحُبُّه بالضمّ، لكنه غير مستعمل (٣)، وحَبِبْتُهُ أَحَبّهُ، من باب تَعِب لغة. انتهى (٤).

(إِلَّا مُؤْمِنٌ) أي خالص الإيمان من النفاق.

والمراد بحبه الحبّ اللائق به، لا على وجه الإفراط، فإن الخروج عن الحدّ غير مطلوب، وليس من علامات الإيمان، بل قد يؤدّي إلى الكفر والطغيان، فإن قومًا قد خَرَجُوا عن الإيمان بالإفراط في حبّ عيسى - عليه السلام -. قاله السنديّ (٥).


(١) "المفهم" ١/ ٢٦٧ "كتاب الإيمان".
(٢) "المفهم" ١/ ٢٦٧.
(٣) هكذا قال، ومثله قول ابن مالك في "لاميّته" حينما يذكر ما خرج عن القياس:
فَذُو التَّعَدِّي بِكَسْرٍ حَبَّهُ وَعِ … ذَا وَجْهَيْنِ هَرَّ وَشَدَّ عَلّهُ عَلَلَا
يعني أن يحِبه بالكسر شاذّ، والقياس الضم؛ لأنه مضاعف معدّى. لكن ذكر شراح "اللامية" المذكورة، أنه سمع "يَحُبّه" بالضم أيضًا، فيكون مما فيه الوجهان، فليُتأمّل. والله تعالى أعلم.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ١١٧.
(٥) "شرح السنديّ " ١/ ٨١.