للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض، ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه، وقد غَلِطَ بعض العلماء كيفَهْم هذا الحديث، فتوهَّم أن الكَدِيد وكُراع الغَمِيم قريب من المدينة، وأن قوله: "فصام حتى بلغ الكَدِيد، وكُرَاع الغَمِيم"، كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، فزعم أنه خرج من المدينة صائمًا، فلما بلغ كُراع الغميم في يومه أفطر في النهار، قال: واستَدَلّ به هذا القائل على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائمًا له أن يفطر في يومه، ومذهب الشافعيّ والجمهور أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طَلَع عليه الفجر في السفر، واستدلال هذا القائل بهذا الحديث من العجائب الغريبة؛ لأن الكَديد وكُراع الغميم على سبع مراحل، أو أكثر من المدينة. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

وقوله: (قَالَ: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبِعُونَ الْأَحْدَثَ، فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهَ - صلى الله عليه وسلم -) يعني أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا إذا اختلفت عليهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعارضت يأخذون بالمتأخر، ويجعلون المتقدّم منسوخًا به.

[تنييه]: قوله: "وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخ " هذا الكلام من قول الزهريّ، وقع مدرجًا عند المصنّف في رواية الليث هذه، قال في "الفتح": هذه الزيادة التي في آخره من قول الزهريّ وقعت مدرجة عند مسلم من طريق الليث، عن الزهريّ، وأخرجه بعده من طريق سفيان، عن الزهريّ، قال: مثله، قال سفيان: لا أدري من قول من هو؟، ثم أخرجه من طريق معمر، ومن طريق يونس، كلاهما عن الزهريّ، وبَيّنا أنه من قول الزهريّ، وبذلك جزم البخاريّ في "كتاب الجهاد" من "صحيحه"، وظاهره أن الزهريّ ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ، ولم يوافق على ذلك، كما سيأتي قريبًا.

وقال القرطبيّ رحمه الله: ظاهر كلام ابن شهاب: أن الذي استَقَرّ عليه أمره - صلى الله عليه وسلم - إنما كان: الفطر في السفر، وأن الصوم السابق منسوخ.

وهذا الظاهر ليس بصحيح، بدليل الأحاديث الآتية بعد هذا؛ فإنها تدل على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صام بعد ذلك في السفر، وأصحابه كذلك، وخيّر فيه، ومِن


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ٢٣٠ - ٢٣١.