بالأكل والجماع؛ خوفَ التُّهْمَة، وروى الثوريّ عن أبي عبيد، عن جابر بن زيد أنه قَدِمَ من سفر في شهر رمضان، فوجد المرأة قد اغتسلت من حيضتها، فجامعها، ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: من أكل أول النهار، فليأكل آخره، قال سفيان: هو كصنيع جابر بن زيد، ولم يذكر سفيان عن نفسه خلافًا لهما، وقال ابن علية: القول ما قال ابن مسعود: مَن أكل أول النهار فليأكل آخره.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والحسن بن حيّ، وعبيد الله بن الحسن في المرأة تَطْهُر في بعض النهار، والمسافر يَقْدَم، وقد أفطر في سفره: إنهما يمسكان بقية يومهما، وعليهما القضاء، واحتَجّ لهم الطحاويّ بأن قال: لم يختلفوا أن من غُمّ عليه هلال رمضان، فأكل، ثم عَلِمَ أنه يمسك عما يمسك عنه الصائم، قال: فكذلك الحائض والمسافر.
وفَرّق ابن شُبْرُمة بين الحائض والمسافر، فقال في الحائض: تأكل، ولا تصوم إذا طهرت بقية يومها، والمسافر إذا قَدِمَ، ولم يأكل شيئًا يصوم يومه، ويقضي.
قال أبو عمر: قد رَوَى ابن جريج، عن عطاء في الذي يُصبح مفطرًا في أول يوم من رمضان، يظنه من شعبان، فيأكل، ثم يأتيه الخبر الثبت أنه رمضان، أنه يأكل ويشرب بقية يومه إن شاء، ولا نعلم أحدًا قاله غير عطاء، والله أعلم. انتهى كلام ابن البرّ رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الأولون من عدم وجوب الإمساك على المسافر إذا وصل بلده أثناء النهار مفطرًا، وكذا الحائض إذا طهرت أثناء النهار هو الذي يظهر رجحانه؛ لأنهما ليسا أهلًا للوجوب في أول النهار، وأما قياس من قاسهما على من بلغه ثبوت الهلال أثناء النهار، حيث يجب عليه أن يصوم، فليس بصحيح؛ لأن هذا أهل للوجوب في أول النهار، وإنما أكل لعدم علمه بثبوت الهلال، فليس مثلهما، وإنما هو مثل من أكل ناسيًا، فإنه يُعذر بذلك، ويصوم، فتامله حقّ التأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.