أفضل، حتى رأى بعضهم عليه الإعادة إذا صام في السفر، واختار أحمد وإسحاق الفطر في السفر، وقال بعض أهل العلم، من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: إن وجد قُوّةً فصام فحسن، وهو أفضل، وإن أفطر فحسن، وهو قول سفيان الثوريّ، ومالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، وقال الشافعي: وإنما معنى قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر"، وقوله حين بلغه: أن ناسًا صاموا، فقال:"أولئك العصاة"، فوجه هذا إذا لم يَحْتَمِل قلبه قبول رخصة الله، فأما من رأى الفطر مباحًا، وصام، وقَوِي على ذلك، فهوأعجب إليّ. انتهى كلام الترمذيّ رحمه الله، وسيأتي إتمام البحث في هذا في المسألة الثالثة -إن شاء الله تعالى-.
[تنبيه]: هذا الحديث باللفظ المذكور -أعني:"ليس من البرّ الصيام في السفر" هو المشهور، كما رواه المصنّف، والنسائيّ، وابن ماجه، والدارميّ، والطحاويّ، والبيهقيّ، وقد جاء ب "أم" بدل "آل"، روأه الإمام أحمد في "مسنده"(٥/ ٤٣٤)، فقال:
٢٣١٦٧ - حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن صفوان بن عبد الله، عن أم الدرداء، عن كعب بن عاصم الأشعري، وكان من أصحاب السَّقِيفَة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ليس من امبر امصيام في امسفر". انتهى.
وهذا الإسناد وإن كان صحيحًا، إلا أن الظاهر أنه بهذا اللفظ شاذّ، والمحفوظ هو اللفظ الأول. راجع:"إرواء الغليل"(٤/ ٥٨ - ٥٩) للشيخ الألباني رحمه الله، ورواه بإسنادين آخرين باللفظ الأول.
قال الحافظ رحمه الله: وهذه لغة لبعض أهل اليمن، يجعلون لام التعريف ميمًا، ويَحْتَمِل أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خاطب بها هذا الأشعريّ؛ لأنها لغته، ويَحْتَمِل أن يكون الأشعريّ هذا نطق بها على ما أَلِفَ من لغته، فحملها الراوي عنه، وأدّاها باللفظ الذي سمعها منه، وهذا الثاني أوجه عندي، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١).