أنه كان في الحضر في المسجد، وصاحب القصّة في حديث جابر كان في السفر، تحت ظلال الشجرة، والله أعلم. انتهى (١).
(فَقَالَ:"مَا لَهُ؟ ") "ما" استفهاميّة؛ أي أيُّ شيء أصابه؟، وفي رواية للنسائيّ:"ما بال صاحبكم هذا؟ "(قَالُوا) أي الصحابة الحاضرون الواقعة، ولم يُسَمّوا (رَجُلٌ صَائِمٌ) خبر لمحذوف؛ أي هو رجل صائم (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ") ولفظ البخاريّ: "ليس من البرّ الصوم في السفر"، والمصدر المؤوّل هنا اسم "ليس" مؤخّرًا، وخبرها الجارّ والمجرور قبله.
وقال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله: قوله: "ليس من البرّ" فهو كقوله: {لَيْسَ الْبِرَّ}[البقرة: ١٧٧] و"من " قد تكون زائدةً، كقولهم: ما جاءني من أحد؛ أي ما جاءني أحد. انتهى.
قال النوويّ رحمه الله: معناه: إذا شَقّ عليكم، وخِفْتم الضرر، وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل، وهذه الرواية مبيّنة للروايات المطلقة:"ليس من البر الصيام في السفر"، ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم. انتهى.
وقد أشار البخاريّ رحمه الله في "صحيحه" إلى هذا التأويل حيث ترجم عليه، فقال: باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمن ظُلِّل عليه، واشتَدّ الحرّ:"ليس من البرّ الصيام في السفر"، قال في "الفتح": أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البرّ الصيام في السفر" ما ذُكِرَ من المشقّة، وأن مَن روى الحديث مجردًا فقد اختَصَر القصّة، وبما أشار إليه من اعتبار شدّة المشقّة يُجْمَع بين حديث الباب، والذي قبله، فالحاصل أن الصوم لمن قَوِي عليه أفضل من الفطر، والفطر لمن شقّ عليه الصومِ، أوأعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم، وأنّ من لم يتحقق المشقّة يُخَيَّر بين الصوم والفطر، وقد اختلف السلف في هذه المسألة، قال الإمام الترمذيّ رحمه الله: واختَلَف أهل العلم في الصوم في السفر، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن الفطر في السفر