و (الطبريّ) في "تفسيره"(٢٨٩٢) وفي "تهذيب الآثار"(١/ ١٥٢)، و (ابن الجارود) في "المنتقى"(٣٩٩)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار"(٢/ ٦٢)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط"(٦/ ٢٤٠) و"الكبير"(١٢/ ٣٧٩)، و (أبو يعلى) في "مسنده"(٣/ ٤٠٣ و ٤/ ١٤٣)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٢/ ١٩١)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٣/ ١٩٥)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣) و"المعرفة"(٣/ ٣٨٩)، و (البغويّ) في "شرح السنّة"(١٧٦٤)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في التوفيق بين هذا الحديث، والأحاديث الدالّة على مشروعيّة الصوم في السفر:
قال في "الفتح": وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من البر الصيام في السفر"، فسلك المجيزون الصوم في السفر فيه طُرُقًا، فقال بعضهم: قد خَرَجَ على سبب، فيُقْصَر عليه، وعلى من كان في مثل حاله، وإلى هذا جنح البخاريّ في ترجمته السابقة، ولذا قال الطبريّ بعد أن ساق نحو حديث الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعريّ، ولفظه:"سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن في حرّ شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة، وهو مضطجعٌ كضِجْعَة الوَجِعِ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لصاحبكم؟ أيُّ وجع به؟ "، فقالوا: ليس به وجعٌ، ولكنه صائمٌ، وقد اشتدّ عليه الحرّ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حينئذ: "ليس البرّ أن تصوموا في السفر، عليكم برخصة الله التي رَخَّصَ لكم": فكان قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال.
وقال ابن دقيق العيد: أُخِذ من هذه القصّة أن كراهة الصوم في السفر مختصّة بمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يُجهِده الصوم، وَيشُقّ عليه، أو يؤدِّي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم، من وجوه الْقُرَب، فَيُنَزَّل قوله: "ليس من البرّ الصوم في السفر" على مثل هذه الحالة، قال: والمانعون عن الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عامّ، والعبرة بعمومه، لا بخصوص السبب، قال: وينبغي أن يُتَنَبَّه للفرق بين دلالة السبب، والسياق، والقرائن على تخصيص العامّ، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرّد ورود العامّ على سبب، فإن بين العامّين فرقًا واضحًا، ومن أجراهما مُجْرًى واحدًا لم يُصِبْ، فإن مجرّد ورود