العامّ على سبب لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان، وأما السياق، والقرائن الدالة على مراد المتكلم، فهي المرشدة لبيان المجملات، وتعيين المحتمِلات، كما في حديث الباب.
وقال ابن الْمُنَيِّر في "الحاشية" هذه القصة تُشعر بأن مَن اتَّفَقَ له مثل ما اتَفَق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم، وأما مَن سَلِمَ من ذلك ونحوه، فهو في جواز الصوم على أصله، والله أعلم.
وحَمَلَ الشافعيّ نفي البرّ المذكور في الحديث على مَن أَبَى قبول الرخصة، فقال: معنى قوله: "ليس من البرّ … " أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم، ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يُفطر، وهو صحيح، قال: ويَحْتَمِل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أَثِمَ، وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول.
وقال الطحاويّ: المراد بالبرّ هنا البرّ الكامل الذي هوأعلى مراتب البرّ، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برًّا؛ لأن الإفطار قد يكون أبرّ من الصوم؛ إذا كان للتَّقَوِّي على لقاء العدوّ مثلًا، قال: وهو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين بالطوّاف … " الحديث (١)، فإنه لم يُرِد إخراجه من أسباب المسكنة كلِّها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يَجِد غنى يُغنيه، ويَستحي أن يسأل، ولا يُفْطَن له. انتهى.
وقال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله: فإن قال قائل، ممن يميل إلى قول أهل الظاهر في هذه المسألة: قد رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"ليس البرّ"، أو:"ليس من البر الصيامُ في السفر"، وما لم يكن من البرّ فهو من الإثم، واستَدَلّ بهذا على أن صوم رمضان في السفر لا يُجزئ، فالجواب عن ذلك أن هذا الحديث خرج لفظه على شخص معين، وهو رجل رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو صائم قد ظُلِّل عليه، وهو يجود.
وَيحْتَمِل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس البر الصيام في السفر" أي ليس هوأبرّ البرّ؛ لأنه قد يكون الإفطار أبرّ منه؛ إذا كان في حجّ، أو جهاد؛ لِيَقْوَى عليه، وقد