للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَا أَسْأَلكَ عَمَا يَسْأَلكَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ) أي لكونه مما لا حاجة له إليه (سَأَلتُهُ عَن الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ) أي عن حكمه، هل هو جائز، أم لا؟ (فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى مَكَةَ) أي في عام الفتح (وَنَحْنُ صِيَامٌ) جملة حاليّة من الفاعل؛ أي صائمون؛ لمصادفة سفر الفتح شهر رمضان (قَالَ: فَنَزَلْتا مَنْزِلًا، فَقَال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) أي قربتم من ملاقاتهم، يقال: دنا منه، وإليه يَدْنو دُنُوًّا: أي قرُبَ (وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ") أي على قتالهم، وفيه دليلٌ على أن حفظ القوّة بالفطر أفضل لمن هو منتظر لقاء العدوّ، قاله القرطبيّ رحمه الله (١). (فَكَانَتْ) أي كانت مقولة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والفطر أقوى لكم" (رُخْصَةً) بضمّ الراء، وسكون الخاء المعجمة، ويجوز ضمّها؛ للإتباع، والرخصة: التسهيل في الأمر، والتيسير فيه، يقال: رَخَّصَ الشرع لنا في كذا ترخيصًا، وأرخص لنا إرخاصًا: إذا يسّره وسهّله (٢).

والمعنى: صار توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - هذا تسهيلًا لنا، وتخييرًا بين الفطر والصوم، ولذلك صاروا على قسمين، كما قال: (فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أفطَرَ) أي حيث رأوها رخصة غير ملزمة للفطر.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فكانت رخصة"؛ يعني: أنهم لم يفهموا من هذا الكلام الأمر بالفطر، ولا الجزم به، وإنما نبَّه به على أن الفطر أولى لمن خاف الضعف.

وسُمِّي هذا رخصة بناءً على أن كل مكلف مخاطبٌ بصوم رمضان، كما قد أفهمه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]، أو بالنسبة إليهم؛ إذ قد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد صام حين خروجه من المدينة، وصام الناس معه إلى أن بلغ الكَدِيد، كما تقدَّم، فلما خاف عليهم الضعف نبههم على جواز الفطر، وأنه الأفضل، فسُمّي ذلك رخصة بالنسبة إلى ترك ما كانوا قد اختاروه من الصوم، ولما فهموا: أن هذا من باب الرُّخص كان منهم من هو موفور القوّة فصام، وكان منهم من خاف على نفسه فأفطر.

ثم بعد ذلك قال لهم: "إنكم مُصَبِّحو عدوكم، والفطر أقوى لكم،


(١) "المفهم" ٣/ ١٨٣.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٢٢٣.