للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأفطروا". قال: "وكانت عزمة أي: أنهم فهموا من أمره بالفطر أنه جزم، ولا بدَّ منه، وأنه واجب، فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا، ولو قدّر هنالك صائم لاستحقُّوا أن يقال لهم: "أولئك العصاة وقد حَمَل بعض علمائنا قوله: "أولئك العصاة" على هذا، بناءً على أن منهم من صام بعد الأمر بالفطر، ولم يُسمع ذلك في حديث مرويّ، وانما هو تقدير من هذا القائل. انتهى (١).

(ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ، فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ) أي ملاقوهم صباحًا، يقال: صبّحتُ فلانًا بالتشديد: إذا أتيته وقت الصباح (وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفطِرُوا) هذا أمر بالإفطار، وهو للوجوب، ولذا قال: (وَكَانَتْ) أي تلك الحال، وهي الفطر، أو مقالته -صلى الله عليه وسلم - هذه (عَزْمَةً) بفتح فسكون: خلاف الرخصة، يقال: عزم على الشيء، وعَزَمه عَزْمًا، من باب ضرب: عَقَد ضميره على فعله، وعَزَمَ عزيمة، وعَزْمَة: اجتَهَد، وجدَّ في أمره، وعزيمة الله تعالى: فريضته التي افترضها، والجمع: عزائم (٢).

وقيل: معنى "عزمة": أي فريضة؛ لأن الجهاد كان فرضًا في ذلك، وكان حاصلًا بالإفطار، والصوم كان جائزًا لهم، وترك الفرض لأجل الجائز لم يكن جائزًا لهم. انتهى.

(فَأَفطَرْنَا) أي أفطر كلّ الصحابة الذين صاموا في المرّة الأولى، والذين لم يصوموا؛ لكون الأمر عزيمة، فلا يجوز الترخّص فيه؛ لأن الله تعالى توعّد من خالف أمره بالعقاب، فقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣].

وقال المناويّ رحمه الله: وأخذ من تعليله -صلى الله عليه وسلم- بدنوّ العدوّ، واحتياجهم إلى القوّة التي يَلْقَوْن العدوّ بها أن الفطر هنا للجهاد، لا للسفر، فلو وافاهم العدوّ في الحضر، واحتاجوا إلى التقوّي بالفطر جاز، على ما قيل؛ لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر، والقوّةُ ثَمّ تخص المسافر، وَهُنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر. انتهى (٣).


(١) "المفهم" ٣/ ١٨٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٠٨.
(٣) "فيض القدير" ٢/ ٥٥٥ - ٥٥٦.