للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فعله المجرد لا يدلّ على نفي الاستحباب؛ إذ قد يترك الشيء المستحبّ؛ لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم رَوَى أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، من طريق عكرمة، أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حدثهم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عن صوم يوم عرفة بعرفة".

وأخذ بظاهره بعض السلف، فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ قال: يجب فطر يوم عرفة للحاجّ، وعن ابن الزبير، وأسامة بن زيد، وعائشة -رضي الله عنها- أنهم كانوا يصومونه، وكان ذلك يُعْجِب الحسن، ويحكيه عن عثمان، وعن قتادة مذهب آخر، قال: لا بأس به إذا لم يَضْعُف عن الدعاء، ونقله البيهقيّ في "المعرفة" عن الشافعيّ في القديم، واختاره الخطابيّ، والمتولي من الشافعية.

وقال الجمهور: يستحب فطره، حتى قال عطاء: من أفطوه ليتقوى به على الذكر، كان له مثل أجر الصائم.

وقال الطبريّ: إنما أفطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة؛ ليدل على الاختيار للحاجّ بمكة؛ لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة.

وقيل: إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة، وقد نُهِي عن إفراده بالصوم، ويُبعِده سياق أول الحديث.

وقيل: إنما كُره صوم يوم عرفة؛ لأنه يوم عيد لأهل الموقف؛ لاجتماعهم فيه، ويؤيِّده ما رواه أصحاب "السنن" عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- مرفوعًا: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهلَ الإسلام". انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، من استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة؛ تاسّيًا بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأما حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عن صوم يوم عرفة بعرفة"، وإن صححه ابن خزيمة، إلا أن في سنده مهديًّا الهجريّ، فقد قال ابن معين: لا أعرفه، قاله في "التهذيب"، وكذا أبو حاتم، وقال ابن حزم: مجهول، نقله الذهبيّ في "الميزان" (٢)، وقال في "التقريب": مقبولٌ؛ أي حيث يتابع، ولم


(١) "الفتح" ٥/ ٤٢٥.
(٢) "ميزان الاعتدال" ٤/ ١٩٥.