للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه، حيث جَوَّزه من الثلاثي والمزيد. انتهى (١).

(قَالَتْ) تلك المرأة الجَزْلة مستفسرة عن وجه نقصان دينهنّ وعقلهنّ، وفي حديث أبي سعيد: "وقلن: وما نقصان ديننا" (يَا رَسُولَ الله، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟) وفي حديث أبي سعيد: "قُلْنَ: وما نقصان ديننا؟ "، قال في "الفتح": كأنه خفي عليهنّ ذلك، حتى سألن عنه، ونفس السؤال دالّ على النقصان؛ لأنهن سَلَّمن ما نُسِبَ إليهن من الأمور الثلاثة: الإكثار، والكفران، والإذهاب (٢) ثم استشكلن كونهنّ ناقصات، وما ألطف ما أجابهنّ به - صلى الله عليه وسلم - من غير تعنيف ولا لَوْمٍ.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأتيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ) فيه إشارة إلى قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢]؛ لأن الاستظهار بأخرى مُؤْذِن بقلة ضبطها، وهو مُشْعِرٌ بنقص عقلها.

[تنبيه]: حَكَى ابنُ التين عن بعضهم أنه حَمَلَ العقل هنا على الدية، فقال: المراد أن دية المرأة على نصف دية الرجل، وهذا باطلٌ يُبطله قوله: "أما نُقصان العقل … إلخ"، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وفي حديث أبي سعيد: "أليس شهادة المرأة … إلخ" وهذا جواب منه - صلى الله عليه وسلم - بلطف، وإرشادٌ من غير تعنيف ولا لومٍ، حيث خاطبهنّ على قدر فهمهنّ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جُبل على اللين والرحمة، كما تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [الآية] [آل عمران: ١٥٩] (فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ) أي هذا أمارة نقصان العقل، أو أثره.

قال المازريّ: هذا تنبيهٌ منه - صلى الله عليه وسلم - على ما وراءه؛ لأنه ليس في الوصف بقصور شهادتها عن شهادة الرجل بمجرّد دليلٌ على نقص العقل حتى يتمّ بما نَبَّهَ الله - سبحانه وتعالى - عليه في كتابه من أن ذلك لأجل قلّة ضبطها، وذلك قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} الآية [البقرة: ٢٨٢].


(١) "فتح" ١/ ٤٨٤.
(٢) أي في قوله في حديث أبي سعيد: "أذهب للبّ الرجل الحازم … ".