للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذ الناسخ إنما هو تعيين الصوم، وإبداله بغيره، لا إجزاؤه بنية من النهار.

[الجواب الثماني]: أن ذلك الصوم إنما صح بنيّة من النهار؛ لأن الوجوب إنما ثبت في حقّ المكلفين من النهار، حين أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المنادي أن ينادي بالأمر بصومه، فحينئذ تجدد الوجوب، فقارنت النية وقت وجوبه.

وقيل: هذا لم يكن واجبًا، فلم تكن نية التبييت واجبة.

قالوا: وهذا نظير الكافر يُسلم في أثناء النهار، أو الصبيّ يَبْلُغ، فإنه يُمْسِك من حين يثبت الوجوب في ذمته، ولا قضاء عليه، كما قاله مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

ونظيره أيضًا إذا أثبتنا الصوم تطوعًا بنيّة من النهار، ثم نَذَر إتمامه، فإنه يجزئه بنيّته عند مقارنة الوجوب.

قالوا: ولا يَرِد علينا ما إذا قامت البينة برؤية هلال رمضان في أثناء النهار، حيث يلزم القضاء لمن لم يكن قد بيّت الصوم؛ لأن الوجوب هنا كان ثابتًا، وإنما خفي على بعض الناس، وتساوي المكلفين في العلم بالوجوب لا يشترط، بخلاف ابتداء الأمر بصيام عاشوراء، فإنه حينئذ ابتداء وجوبه، فالفرق إنما هو بين ابتداء الوجوب، والشروع في الإمساك عقبه، وبين خفاء ما تقدم وجوبه، ثم تجدد سبب العلم بوجوبه، فإن صحّ هذا الفرق، وإلا فالصواب التسوية بين الصورتين، وعدم وجوب القضاء، والله أعلم.

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن من علم برؤية الهلال أثناء النهار وجب عليه صوم بقيّة اليوم، ولا قضاء عليه، وهذا هو القول الراجح؛ لقوّة دليله، كما حقّقته في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد (١)، وبالله تعالى التوفيق.

قال: قالوا: وأما حجتكم الثالثة بأنه لم يأمرهم بالقضاء، فجوابها من وجهين:

أحدهما: أنا قد ذكرنا حديث أبي داود أنهم أُمِرُوا بالقضاء، وقد اختُلِف في هذا الحديث، فإن كان ثابتًا فهو دليل على الوجوب، وإن لم يكن ثابتًا فإنما لم يؤمروا بالقضاء؛ لعدم تقدم الوجوب؛ إذ الوجوب إنما ثبت عند أمره،


(١) راجع: "ذخيرة العقبى" ٢١/ ٢٣٠ - ٢٣٢.