للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الحجة الثانية]: أن في "الصحيحين" أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر مَن كان أكل بأن يمسك بقية يومه، وهذا صريح في الوجوب، فإن صوم التطوع لا يُتصوَّر فيه إمساك بعد الفطر.

[الحجة الثالثة]: ما في "الصحيحين" أيضًا عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فذكرت الحديث، إلى أن قالت: فلما فُرِض رمضان كان هو الفريضة … الحديث، وهذا اللفظ من سياق البيهقيّ، فقولها: كان هو الفريضةَ دالّ على أن عاشوراء كان واجبًا، وأن رمضان صار هو الفرض، لا عاشوراءُ، وإلا لم يكن لقولها: كان هو الفريضة معنى.

قال الموجبون: وأما حديث معاوية - رضي الله عنه - فمعناه: ليس مكتوبًا عليكم الآن، أو لم يكتبه بعد نزول رمضان، أو إنما نَفَى الكَتْب، وهو الفرض المؤكد الثابت بالقرآن، ووجوب عاشوراء إنما كان بالسنة، ولا يلزم من نفي كتبِه وفرضه نفيُ كونه واجبًا، فإن المكتوب أخصّ من مطلق الواجب، وهذا جارٍ على أصل مَن يُفَرِّق بين الفرض والواجب، وقد نصّ أحمد في إحدى الروايتين عنه على أنه لا يقال: فرضٌ إلا لما ثبت بالقرآن، وأما ما ثبت بالسنة فإنه يسميه واجبًا.

قالوا: وأما تصحيحه بنيّة من النهار، فالجواب عنه من وجهين:

[أحدهما]: أن هذا حجة لمن يقول بجواز صوم الفرض بنيّة من النهار، قالوا: وهو عمدتنا في المسألة، فليس لكم أن تنفوا وجوبه بناءًا على بطلان هذا القول، فإنه دَوْرٌ ممتنع، ومصادر باطلة، وهذا جواب أصحاب أبي حنيفة.

قال منازعوهم: إذا قلتم إنه كان واجبًا ثبت نسخه اتفاقًا، وأنتم إنما جوّزتم الصوم المفروض بنيّة من النهار بطريق الاستنباط منه، وأن ذلك من متعلقاته ولوازمه، والحكم إذا نُسِخ نسخت لوازمه، ومتعلقاته، ومفهومه، وما ثبت بالقياس عليه؛ لأنها فرع الثبوت على الأصل، فإذا ارتَفَع الأصل امتنع بقاء الفرع بعده.

قال الحنفية: الحديث دلّ على شيئين: أحدهما إجزاء الصوم الواجب بنيّة من النهار، والثاني تعيين الصوم الواجب بأنه يوم عاشوراء، فنُسِخ تعيين الواجب برمضان، وبقي الحكم الآخر لا معارض له، فلا يصح دعوى نسخه؛