تطوعًا؟ فقالت طائفة: كان واجبًا، وهذا قول أبي حنيفة، ورُوي عن أحمد، وقال أصحاب الشافعيّ: لم يكن واجبًا، وإنما كان تطوعًا، واختاره القاضي أبو يعلى من الحنبليّة، وقال: هو قياس المذهب (١)، واحتج هؤلاء بثلاث حُجَج:
[إحداها]: ما أخرجاه في "الصحيحين" عن حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - خطيبًا بالمدينة؛ يعني في قدمة قَدِمَها خطبهم يوم عاشوراء، فقال:"أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول إلله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهذا اليوم: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن أحب منكم أن يصوم فليصم، ومن أحب منكم أن يفطر فليفطر". اهـ.
[الحجة الثانية]: ما في "الصحيحين" أيضًا عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا مِن أسلم يوم عاشوراء، فأمره أن يؤذن في الناس: من كان لم يصم فليصم"، قالوا: فهذا أمر بإنشاء الصيام أثناء النهار، وهذا لا يجوز إلا في التطوع، وأما الصيام الواجب فلا يصح إلا بنيّة قبل الفجر.
[الحجة الثالثة]: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المفطرين فيه إذ ذاك بالقضاء.
واحتج الأولون بحُجَج:
[إحداها]: ما أخرجاه في "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض شهر رمضان، قال:"من شاء صامه، ومن شاء تركه"، وفي صحيح البخاريّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان تركه.
قالوا: ومعلوم أن الذي تُرِك هو وجوب صومه، لا استحبابه؛ فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُرَغِّب فيه، ويُخبر أن صيامه كفارة سنة، وقد أخبر ابن عباس أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه إلى حين وفاته، وأنه عَزَم قبل وفاته بعام على صيام التاسع، فلو كان المتروك مشروعيته لم يكن لقصد المخالفة بضم التاسع إليه معنى، فعُلِم أن المتروك هو وجوبه.