للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مؤكدًا، وفي نسخة: "يأمر" (بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، ويَحُثُّتَا عَلَيْهِ) أي يُرغّبنا إلى صومه، ويحضّنا عليه (وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ) أي يحفظنا، ويراعي حالنا، ويتفحّص عن صومنا له، أو يتخوّلنا بالموعظة عنده (فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ) أي صومه الَمْ يَأْمُرْنَا) أي لم يأمر بصوم يوم عاشوراء، والمراد الأمر الحتم (وَلَمْ يَنْهَنَا) أي عن صومه (وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا) أي لم يتفقّدنا (عِنْدَهُ).

قال ابن حجر الهيتميّ رحمه الله في "شرح "المشكاة": في قوله: "يأمر بصيام يوم عاشوراء" حجة لمن قال: كان واجبًا، ثم نُسِخ، والأصح عند الشافعيّ أنه لم يجب أصلًا؛ لما رواه البخاريّ عن معاوية أنه عام حجّ خطب بالمدينة يوم عاشوراء، فقال: "يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه"، فهذا نصِّ في أنه لم يجب أصلًا. انتهى.

وتعقّبه القاري رحمه الله، فقال: هو مردود بأنه ليس له دلالة مّا على عدم الوجوب إلا حين قاله، وأما كون ما بعده، وما قبله فمحل احتمال، فكيف يكون نصًا، أو يصلح معارضًا لما في "الصحيحين" عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا من أسلم: أن أَذِّن في الناس: "من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء"؟ فإنه صريح في أنه كان أمر إيجاب قبل نسخه برمضان؛ إذ لا يؤمر من أكل بإمساك بقية يومه إلا في يوم مفروض الصوم بعينه، فلا بدّ من الجمع بوجوبه أولًا، ونسخه ثانيًا، أو المراد أنه لم يكتب عليكم في القرآن مطلقًا. انتهى كلام القاري رحمه الله (١)، وهو تعقّبٌ وجيهٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنهما - هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.


(١) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٤٩٥.