سمع من خالفه، وقد خطب به في ذلك الجمع العظيم، ولم يُنْكَر عليه. انتهى.
وقال الحافظ: وفيه إشعار بأنه لم يَرَ لهم اهتمامًا بصيامه، فلذا سأل عن علمائهم، أو بلغه عمن يَكْرَه صيامه، أو يوجبه. انتهى.
(سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْم:"هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ) وقوله:(وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ) كله من كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما بيّنه النسائيّ في روايته، ولفظه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذا اليوم: "إني صائم، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، ومن شاء فليفطر".
قال الحافظ رحمه الله: وقد استُدِلّ به على أنه لم يكن فرضًا قط، ولا دلالة فيه؛ لاحتمال أن يريد: ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام، كصيام رمضان، وغايته أنه عامٌّ خُصّ بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة: ١٨٣] ثم فَسَّره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخًا، ويؤيد ذلك أن معاوية رحمه الله إنما صحب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من سنة الفتح، والذين شَهِدوا أمره بصيام عاشوراء، والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى، أوائل العام الثاني، ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا؛ لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العامّ، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يُرِضِعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود - رضي الله عنه - الثابت في مسلم: "لَمّا فُرِض رمضان تُرِك عاشوراء" مع العلم بأنه ما تُرِك استحبابه، بل هو بأن، فدل على أن المتروك وجوبه، وأما قول بعضهم: المتروك تأكّد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه، فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه باقٍ، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر"، ولترغيبه في صومه، وأنه يُكَفّر سنةً، وأي تأكيد أبلغ من هذا الحديث. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى