للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه، كمن ترك الجمعة، أو الغزو، أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مُكَلَّف به، كترك الحائض الصلاة والصوم.

[فإن قيل]: فإن كانت معذورةً فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها، كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له في مرضه وسفره مثلُ نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره؟.

[فالجواب]: أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنيّة الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت ويترك في وقتٍ، غير ناو الدوام عليها، فهذا لا يُكتَب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال الحافظ رحمه الله تعالى بعد نقله كلام النوويّ هذا ما نصّه: وعندي في كون هذا الفرق مستلزمًا لكونها لا تُثاب وقفةٌ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أيضًا توقّف كما قال الحافظ، وذلك أن الحائض في هذا مثل المريض الذي منعه مرضه عن أداء ما كان يفعله في صحّته، وهذا المعنى موجود فيها؛ لأن من نيتها أن تُصلّي لولا مانع الحيض الذي هو عذر شرعيّ، ربما يكون المسافر أهون منها في ذلك؛ لأنه يمكنه أن يترك سفره ويؤدي العبادة، ومع ذلك عذره الشرع وجعل له ثواب ما كان يعمله في الحضر، فالحائض التي لا يمكنها أن تتخلّى عن الحيض حتى تؤدي الصلاة أولى بأن يعذرها الشرع، ويجعل لها ثواب ما كانت تعمله لولا المانع الشرعيّ، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في معنى "العقل" وفي مقرّه:

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: قد اختَلَف الناس في العقل ما هو؟


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٦٨.
(٢) "فتح" ٤٨٥.