للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقيل: العلم، وهذه طريقة من اتّبع حكم اللغة؛ لأن العلم والعقل في اللسان بمعنى واحد، ولا يُفرّقون بين قولهم: عَقَلتُ وعَلِمت، وقيل: العقل بعض العلوم الضروريّة، وقيل: هو قوّة يُميّز بها بين حقائق المعلومات، فأما على قول من قال: هو العلم، فيكون وصفهنّ بنقص العقل لأجل النسيان وقلّة الضبط على ظاهره؛ لأن ذلك نقصٌ العلوم، وعلى رأي من رأى أن العقل غير ذلك، يكون قلّةُ الضبط والنسيان وشِبْهُ ذلك عَلَمًا على القصور والنقص في ذلك المعنى الطبيعيّ الذي هو شرطٌ في تلقّي التكاليف وكثرة العلوم. انتهى (١).

واختلفوا أيضًا في محله، فقال المتكلمون: هو في القلب، وقال بعض العلماء: هو في الرأس، قاله النوويّ (٢).

ولقد حقّق المسألة تحقيقًا بالغًا شيخ الإسلام الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى في رسالة قيّمة، لا نظير لها في بابها، أحببتُ إيرادها، وإن كانت طويلة إلا أن هذا الشرح ما وضعته إلا لاستيفاء المسائل حسب الإمكان، فلا يُستغرب طول مباحثه، كما أوضحته في أوائل شرح المقدّمة. ونصّ الرسالة:

سئل شيخ الاسلام الإمام العلامة، تقيّ الدين، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية - رضي الله عنه - عن "العقل" الذي للإنسان، هل هو عَرَضٌ، وما هي "الروح" المدَبِّرة لجسده، هل هي النفس، وهل لها كيفية تُعْلَمُ، وهل هي عَرَضٌ أو جوهرٌ، وهل يُعْلَم مسكنها من الجسد، ومسكن العقل؟.

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين، "العقل" في كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام الصحابة والتابعين، وسائر أئمة المسلمين، هو أمر يقوم بالعاقل، سواء سُمّي عَرَضًا أو صفةً، ليس هو عينًا قائمةً بنفسها، سواءً سُمِّي جوهرًا أو جسمًا أو غير ذلك، وإنما يوجد التعبير باسم العقل عن الذات العاقلة التي هي جوهر قائم بنفسه في كلام طائفة من المتفلسفة الذين يتكلمون في العقل والنفس، ويَدَّعُون ثبوت عقول عشرة، كما يذكر ذلك مَنْ يذكره من أتباع أرسطو، أو غيره من المتفلسفة المشائين، ومن تَلَقَّى ذلك عنهم من المنتسبين إلى الملل.


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٨٣.
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ٦٨.