وأحمد، وعامتهم: إلى أن الفرض لا يجزئ إلا بنيّة من الليل. وهذا هو الصحيح بدليل ما رواه النسائي عن حفصة، والدارقطني عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل"، وغاية ما قيل في هذا الحديث: إنه روي موقوفًا، والمسندون له ثقاث، ولا حجة فيما تقدم من ابتداء الصيام في يوم عاشوراء؛ لأنه كان ذلك في أول الأمر، وهو منسوخ كما قد تقدم. ولو سلِّم أنه ليس بمنسوخ؛ لأمكن أن يقال بموجبه، فإن من تذكر فرض صوم يوم هو فيه، أو ثبت أنه يوم صومه لزمه إتمام صومه.
وهذا مما لا يختلف فيه، لكن عليه قضاؤه؛ إذ الصوم المطلوب منه لم يأت به؛ فإنه طلب منه صوم يوم كامل، وهذا بعض يوم، هذا مع ما قد رواه أبو داود من أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "فأتموا بقية يومكم واقضوه"؛ يعني: عاشوراء. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث أبي داود المذكور ضعيف، فالقول بوجوب القضاء مما لا دليل عليه، بل الظاهر أنه لا يجب القضاء، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": استُدلّ بحديث الباب على صحة الصيام لمن لم ينوه من الليل، سواء كان رمضان، أو غيره؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصوم في أثناء النهار، فدلّ على أن النيّة لا تشترط من الليل.
قال الحافظ: وأجيب بأن ذلك يتوقّف على أن صيام عاشوراء كان واجبًا، والذي يترجّح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضًا، وعلى تقدير أنه كان فرضًا، فقد نسخ بلا ريب، فنسخ حكمه، وشرائطه بدليل قوله:"من أكل فليتمّ"، ومن لا يشترط النيّة من الليل لا يجيز صيام من أكل من النهار.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "والذي يترجح من أقوال العلماء أنه لم يكن فرضًا"، إن أراد كونه مذهب الجمهور، فمسلّم، وإن أراد أنه راجح من حيث الدليل فلا؛ لأن الذي يترجح بالأدلة الواضحة كونه فرضًا، لكنه نسخ برمضان.
وقد ذكر الحافظ نفسه ما يناقض كلامه المذكور، فقال عند شرح حديث معاوية - رضي الله عنه -: "ولم يكتب الله عليكم صيامه" ما ملخّصه: ويؤخذ من مجموع