وعن مالك، وأبي حنيفة: لا يكره، قال مالك: لم أسمع أحدًا ممن يُقْتَدى به يَنْهَى عنه، قال الداوديّ: لعل النهي ما بلغ مالكًا، وزعم القاضي عياض أن كلام مالك يؤخذ منه النهي عن إفراده؛ لأنه كره أن يخص يوم من الأيام بالعبادة، فيكون له في المسألة روايتان.
وعاب ابن العربيّ قول عبد الوهاب منهم: يوم لا يُكْرَه صومه مع غيره، فلا يكره وحده؛ لكونه قياسًا مع وجود النصّ.
واستدلّ الحنفية بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقلّما كان يُفطر يوم الجمعة، حسّنه الترمذيّ، قال الحافظ: وليس فيه حجة؛ لأنه يَحْتَمِل أن يريد: كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها، ولا يضادّ ذلك كراهة إفراده بالصوم؛ جمعًا بين الحديثين، ومنهم من عدّه من الخصائص، وليس بجيد؛ لأنها لا تثبت بالاحتمال.
والمشهور عند الشافعية وجهان:
أحدهما- ونقله المزنيّ عن الشافعيّ- أنه لا يكره إلا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه، من الصلاة، والدعاء، والذكر.
والثاني -وهو الذي صححه المتأخرون- كقول الجمهور. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سلف من أقوال أهل العلم، وأدلّتهم أن أرجحها قول من قال بتحريم إفراد صوم يوم الجمعة، إلا لمن وافق عادته، وذلك لصراحة أحاديث الباب في ذلك، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده" صريح في تحريم إفراده بالصوم، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تخصّوا يوم الجمعة من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" صريح أيضًا في تحريم صومه إلا لمن وافق عادته.
والحاصل أن الحقّ تحريم إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا لذي العادة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في سبب النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم: