(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك على أقوال:
[أحدهما]: لكونه يوم عيد، والعيد لا يصام.
واستُشْكِل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره.
وأجاب ابن القيِّم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة، ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم.
[ثانيها]: لئلا يَضْعُف عن العبادة، وهذا اختاره النوويّ.
وتُعُقِّب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه.
وأجاب بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل يوم صومه من فتور، أو تقصير.
وفيه نظر، فإن الجبران لا ينحصر في الصوم، بل يحصل بجميع أفعال الخير، فيلزم منه جواز إفراده لمن عَمِل فيه خيرًا كثيرًا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده، كمن أَعْتَق فيه رقبةً مثلًا، ولا قائل بذلك.
وأيضًا فكان النهي يختص بمن يُخْشَى عليه الضعف، لا من يتحقق القوّة.
ويمكن الجواب عن هذا بأن المظِنَّة أقيمت مقام الْمَئِنَّة، كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يَشُقّ عليه.
[ثالثها]: خوف المبالغة في تعظيمه، فيُفْتَتَن به كما افتُتِن اليهود بالسبت، وهو منتقضٌ بثبوت تعظيمه بغير الصيام.
وأيضًا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام، فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه؛ لأنهم لا يصومونه.
وقد رَوَى أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبّان من حديث أم سلمة - رضي الله عنهما - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم من الأيام السبت والأحد، وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين، فأُحِبّ أن أخالفهم.
[رابعها]: خوف اعتقاد وجوبه، وهو منتقضٌ بصوم الاثنين والخميس.
[خامسها]: خشية أن يُفْرَض عليهم، كما خَشِي - صلى الله عليه وسلم - من قيامهم الليل ذلك، قال المهلَّب: وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره، وبأنه لو كان كذلك