للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصماء، وهذه رواية ابن حبان، وليست بعلة قادحة، فإنه أيضًا صحابيّ، وقيل: عنه، عن أبيه بسر، وقيل: عنه، عن الصماء، عن عائشة، قال النسائيّ: هذا حديث مضطرب.

قال الحافظ: وَيحْتَمِل أن يكون عند عبد الله، عن أبيه، وعن أخته، وعند أخته بواسطة، وهذه طريقة مَن صححه، ورجح عبد الحقّ الرواية الأولى، وتبع في ذلك الدارقطنيّ، لكن هذا التلوّن في الحديث الواحد، بالإسناد الواحد، مع اتحاد المخرج يوهن راويه، وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث، فلا يكون ذلك دالًّا على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه أيضًا على الراوي، عن عبد الله بن بسر أيضًا.

وادعى أبو داود أن هذا منسوخ، ولا يتبين وجه النسخ فيه، قال: ويمكن أن يكون أخذه من كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر أمره قال: "خالفوهم"، فالنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية، وهذه صورة النسخ، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١).

وذكر ابن مفلح الحنبليّ في "الفروع": قال الأثرم: قال أبو عبد الله: قد جاء فيه حديث الصمّاء، وكان يحيى بن سعيد يتّقيه، وأبى أن يُحدّثني به، قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر، منها حديث أم سلمة -يَعْنِي أَنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يَصُومُ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَيَقُولُ: "هُمَا عِيدَانِ لِلْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا -يعني ابن تيميّة- أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ الذي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ من روايته. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الذي يترجّح جواز صوم السبت؛ لصحّة الأحاديث بذلك، وأما حديث الصمّاء فالظاهر عدم صحّته؛


(١) "التلخيص الحبير" ٢/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٢) راجع: "الفروع" ٣/ ٩٢.