قال القاضي أبو محمد بن عطية: الآية عند مالك؛ إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من رمضان المتقدم، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم، فترك، فعليه الفدية. وحكى الطبري عن عكرمة: أنه كان يقرؤها: "وعلى الذين يطيقونه فأفطروا".
وأما قراءة:"يُطوَّقُونَه"؛ فمعناه: يُكَلَّفونه مع المشقة اللاحقة لهم كالمريض والحامل؛ فإنهما يقدران عليه؛ لكن بمشقة تلحق رضيعها، فذهب بعض الناس: إلى أنها محكمة لهؤلاء، فإن صاموا أجزأهم، وإن افتدوا فلهم ذلك، وقاله ابن عباس فيما حكاه عنه البخاريّ، وأبو داود، ورأيا: أنها ليست بمنسوخة؛ لكنها مثبتة للشيخ والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما، وللحامل والمرضع.
و"يُطيّوقونه" بالياء مكان الواو مشددة، مبنيًّا للمفعول، مثل:"يَتَطَوَّقُونه" في المعنى.
فأما قراءة عائشة: فأصلها: "تَتَطَوَّقُونه" فأُدغمت التاء في الطاء، ومعناها: يتكففون ذلك بأنفسهم مع المشقة، ويرجع ذلك لما تقدَّم كالمريض ومن ذكر معه.
فأما قوله تعالى:{فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤]، ففدية: مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف؛ أي: فعليهم فدية، أو خبر مبتدأ؛ أي: فحكمهم فدية، وقراءة نافع وابن عامر:"ففديةُ طعام مساكين" بإضافة {فِدْيَةٌ} إلى {طَعَامُ} وجمع {مَسَاكينَ}. وقرأ هشام:{فِدْيَةٌ طَعَامُ}، بتنوين {فِدْيَةٌ} ورفع {طَعَامُ} على أن الطعام بدل منها. وقرأ بقية السبعة كذلك، إلا أنهم وحّدوا {مَسَاكينَ} وهي قراءة حسنة؛ لأنها بيَّنت: أن الواجب في فطر يوم إطعام مسكين واحد، فأما الجمع فلا يعرف من مساق الآية هل هم -أعني: المساكين- بإزاء يوم واحد، أو بإزاء أيام؟ وإنما يعلم ذلك من دليل آخر.
ثم اختلفوا في مقدار هذا الطعام حيث يجب: فذهب مالك وجماعة من العلماء: إلى أنه مُدٌّ لكل مسكين بمدّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدَّم في الزكاة.