لذاته، كما تلزم ذاته الحياة، ثم منهم من قال: هو معنى واحد؛ لامتناع اجتماع معاني لا نهاية لها في آن واحد، وامتناع تخصيصه بعدد دون عدد، وقالوا: ذلك المعنى هو الأمر بكل مأمور، والخبر عن كل مُخْبَر عنه، إن عُبِّر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عُبّر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وقالوا: إن الأمر والنهي صفات للكلام لا أنواع له، فإن معنى آية الكرسي، وآية الدين، وقل هو الله أحد، وتبت يدا أبي لهب معنى واحد.
فقال جمهور العقلاء لهم: تصوّر هذا القول يوجب العلم بفساده، وقالوا لهم: موسى سمع كلام الله كلّه أو بعضه؟ إن قلتم: كله لزم أن يكون قد عَلِمَ عِلْمَ الله، وإن قلتم: بعضه فقد تبعض، وقالوا لهم: إذا جوَّزتم أن تكون حقيقة الخبر هي حقيقة الأمر، وحقيقة النهي عن كل منهي عنه والأمر بكل مأمور به هو حقيقة الخبر عن كل مخبر عنه، فجَوِّزوا أن تكون حقيقة العلم هي حقيقة القدرة، وحقيقة القدرة هي حقيقة الإرادة، فاعترف حُذّاقهم بأن هذا لازم لهم لا محيد لهم عنه، ولزمهم إمكان أن تكون حقيقة الذات هي حقيقة الصفات، وحقيقة الوجود الواجب هي حقيقة الوجوب الممكن، والتزم ذلك طائفة منهم، فقالوا: الوجود واحد، وعين الوجود الواجب القديم الخالق هو عين الوجود الممكن المخلوق المحدث.
وهذا أصل قول القائلين بوحدة الوجود، كابن عربي الطائي، وابن سبعين، وأتباعهما كما بسط في مواضع.
ومن هؤلاء القائلين بأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته مع قيام الكلام به، مَن قال: كلامه المعين حروف وأصوات معينة قديمة أزلية لم تزل ولا تزال، وزعموا أن كلًّا من القرآن والتوراة والإنجيل حروف وأصوات قديمة أزلية، لم تزل ولا تزال، فقال لهم جمهور العقلاء: معلوم بالاضطرار أن الباء قبل السين، والسين قبل الميم، فكيف يكونان معًا أزلًا وأبدًا، ومعلوم أن الصوت المعين لا يبقى زمانين، فكيف يكون أزليًا لم يزل ولا يزال.
فقالت الطائفة الثالثة ممن سلك مسلك أولئك المتكلمين: بل نقول: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته كلامًا قائمًا بذاته، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، وإن لزم من ذلك قيام الحوادث به، فلا محذور في