للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سبب حادث، وذهبوا إلى أنها تحدث بغير مُحدِث أصلًا، لا قادر ولا غير قادر، فكان ما فَرُّوا إليه شرًّا مما فرّوا منه، وكانوا شَرًّا من المستجير من الرمضاء بالنار، واعتقد هؤلاء أن المفعول المصنوع المبتدع المعين كالفلك، يقارن فاعله أزلًا وأبدًا، لا يتقدم الفاعل عليه تقدمًا زمانيًا، وأولئك قالوا: بل المؤثر التام يتراخى عنه أثره، ثم يحدث الأثر من غير سبب اقتضى حدوثه، فأقام الأولون الأدلة العقلية الصريحة على بطلان هذا، كما أقام هؤلاء الأدلة العقلية الصريحة على بطلان قول الآخرين، ولا ريب أن قول هؤلاء أهل المقارنة أشد فسادًا ومناقضة لصريح المعقول وصحيح المنقول من قول أولئك أهل التراخي.

[والقول الثالث]: الذي يدل عليه المعقول الصريح، ويُقِرّ به عامة العقلاء، ودلّ عليه الكتاب والسنة، وأقوال السلف والأئمة، لم يهتد له الفريقان، وهو أن المؤثر التام يستلزم وقوع أثره عقب تأثره التام، لا يقترن به ولا يتراخى، كما إذا طَلّقتُ المرأة فطُلِّقت، وأعتقت العبد فعَتَقَ، وكَسَرتُ الإناء فانكسر، وقطعتُ الحبل فانقطع، فوقوع العتق والطلاق ليس مقارنًا لنفس التطليق والإعتاق بحيث يكون معه، ولا هو أيضًا متراخٍ عنه، بل يكون عقبه متصلًا به، وقد يقال: هو معه، ومفارقٌ له باعتبار أنه يكون عقبه متصلًا به، كما يقال: هو بعده متأخر عنه، باعتبار أنه إنما يكون عقب التأثير التام، ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢] فهو سبحانه يكوّن ما يشاء تكوينه، فإذا كوّنه كان عقب تكوينه متصلًا به، لا يكون مع تكوينه في الزمان، ولا يكون متراخيًا عن تكوينه، بينهما فصل في الزمان، بل يكون متصلًا بتكوينه، كاتصال أجزاء الحركة والزمان بعضها ببعض، وهذا مما يُستَدَلُّ به على أن كل ما سوى الله حادث كائن بعد أن لم يكن، وإن قيل مع ذلك بدوام فاعليّته ومتكلميته، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن هذا هو أصل من قال: القرآن محدَث، ومن قال: إن الربّ لم يقم به كلام ولا إرادة، بل ولا علم بل ولا حياة، ولا قدرة، ولا شيء من الصفات، فلما ظهر فساد هذا القول شرعًا وعقلًا، قالت طائفة ممن وافقتهم على أصل مذهبهم: هو لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل كلامه أمر لازم