للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ رحمه الله: والراجح أن المعتبر ما رواه، لا ما رآه؛ لاحتمال أن يخالف ذلك؛ لاجتهاد، ومستندُه فيه لم يتحقق، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تُحُقِّقَتْ صحةُ الحديث لم يُترك المحقَّقُ للمظنون، والمسألة مشهورة في الأصول. انتهى كلام الحافظ رحمه الله، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق من بيان أقوال أهل العلم وأدلّتهم أن المذهب الراجح هو القول بوجوب قضاء صوم من مات وعليه صوم؛ وذلك لأمره - رضي الله عنه - به، والأمر للوجوب؛ إذ لا صارف له.

وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ومن مات، وعليه صوم فرض، من قضاء رمضان، أو نذر، أو كفّارة واجبة، ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه، هم أو بعضهم، ولا إطعام في ذلك أصلًا، أوصى به أو لم يوص به، فإن لم يكن وليّ استؤجر عنه من رأس ماله مَن يصومه عنه، ولا بُدّ، أوصى بكل ذلك أو لم يوص، وهو مُقَدَّم على ديون الناس، وهو قول أبي ثور، وأبي سليمان -يعني داود الظاهريّ- وغيرهما.

وقال أبو حنيفة، ومالك: إن أوصى أن يُطْعَم عنه أطعم عنه، مكانَ كل يوم مسكينٌ، وإن لم يوص بذلك فلا شيء عليه، والإطعام عند مالك في ذلك مُدّ مُدّ، وعند أبي حنيفة صاع من غير البر، لكل مسكين، ونصف صاع من البر، أو دقيقه، وقال الليث كما قلنا، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه في النذر خاصّة.

قال الله تعالى: مِنما بَغدِ وَصيَّم {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١]، ثم أورد الأحاديث التي أوردها مسلم في الباب.

ثم قال: فهذا القرآن، والسنن المتواترة المتظاهرة التي لا يحل خلافها، وكلهم يقول: يُحَجّ عن الميت إن أوصى بذلك، ثم لا يرون أن يصام عنه، وإن أوصى بذلك، وكلاهما عمل بدن، وللمال في إصلاح ما فَسَد منهما مدخل بالهدي، وبالإطعام، وبالعتق، فلا القرآن اتبعوا، ولا بالسنن أخذوا، ولا القياس عَرَفُوا، وشَغّبوا في ذلك بأشياء، منها أنهم ذكروا قول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، وذكروا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث: علم علَّمه، أو صدقة جارية، أو