قال الحافظ رحمه الله: وليس بينهما تعارضٌ حتى يُجْمَع بينهما، فحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - صورةٌ مستقلةٌ، سأل عنها مَن وقعت له، وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فهو تقريرُ قاعدةٍ عامّةٍ، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - إلى نحو هذا العموم، حيث قيل في آخره:"فدينُ الله أحقّ أن يُقْضَى".
وأما المالكية: فأجابوا عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة كعادتهم.
وادَّعَى القرطبيّ تبعًا لعياضٍ أن الحديث مضطربٌ، وهذا لا يتأتى إلا في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ثاني حديثي الباب، وليس الاضطراب فيه مُسَلَّمًا، كما سيأتي.
وأما حديث عائشة - رضي الله عنهما -، فلا اضطراب فيه.
واحتَجَّ القرطبيّ بما في رواية البزّار:"فليصُم عنه وليّه إن شاء"، وهي زيادة ضعيفة؛ لأنها من طريق ابن لَهِيعَة، فتنبّه.
قال: وأجاب الماورديّ عن الجديد بأن المراد بقوله: "صام عنه وليه" أي فَعَل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم، وهو الإطعام، قال: وهو نظير قوله: "التراب وَضُوء المسلم إذا لم يجد الماء"، قال: فسَمَّى البدل باسم المبدل، فكذلك هنا.
وتُعُقِّب بأنه صرف للَّفظ عن ظاهره بغير دليل.
وأما الحنفية: فاعتلوا لعدم القول بهذين الحديثين بما رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن امرأة ماتت، وعليها صوم، قالت:"يطْعَمُ عنها"، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم"، أخرجه البيهقيّ، وبما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال في رجل مات، وعليه رمضان، قال:"يُطْعَم عنه ثلاثون مسكينًا"، أخرجه عبد الرزاق.
ورَوَى النسائيّ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:"لا يصوم أحد عن أحد"، قالوا: فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دلّ ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه، وهذه قاعدة لهم معروفةٌ، إلا أن الآثار المذكورة عن عائشة، وعن ابن عباس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصيام، إلا الأثر الذي عن عائشة، وهو ضعيف جدًّا.