للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكل هذا منهم تخليط، وتناقض، وهم يجيزون العتق عنه، والصدقة عنه، وإن لم يوص بذلك، فبطل تعلّقهم بهذه الآية.

وأما إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأن عمل الميت ينقطع إلا من ثلاث، فصحيحٌ، وليت شعري من قال لهم: إن صوم الوليّ عن الميت هو عمل الميت، حتى يأتوا بهذا الخبر الذي ليس فيه إلا انقطاع عمل الميت فقط، وليس فيه انقطاع عمل غيره عنه أصلًا، ولا المنع من ذلك، فظهر فساد احتجاجهم بهذا الخبر جملةً.

وأما حديث عبد الرزاق، فلا تحل روايته إلا على سبيل بيان فسادها؛ لعلل ثلاث فيه: إحداها: أنه مرسل، والثانية أن فيه الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط، والثالثة أن فيه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو كذاب.

ثم لو صح لكان عليهم، لا لهم؛ لأن فيه إيجاب الإطعام عنه إن صحّ بعد أن مرض، والحنفيون والمالكيون لا يقولون بذلك، إلا أن يوصي بذلك، وإلا فلا.

وأما احتجاجهم بأن عائشة وابن عباس رويا الخبر، وتركاه، فقول فاسدٌ؛ لوجوه:

أحدها: أنه لا يجوز ما قالوا؛ لأن الله تعالى إنما افترض علينا اتباع رواية الصاحب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يفترض علينا قط اتباع رأي أحدهم.

والثاني: أنه قد يَتْرُك الصاحب اتباع ما رَوَى لوجوه غير تعمد المعصية، وهي أن يتاول فيما روى تأويلًا مّا اجتَهَدَ فيه، فأخطأ فأُجِر مرةً، أو أن يكون نَسِي ما رَوَى، فأفتى بخلافه، أو أن تكون الرواية عنه بخلافه وَهَمًا ممن رَوَى ذلك عن الصاحب، فإذ كل ذلك ممكن فلا يحلّ ترك ما افتَرَضَ علينا اتباعه من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا لم يأمرنا باتباعه لو لم تكن فيه هذه العِلَلُ، فكيف وكلُّها ممكن فيه، ولا معنى لقول من قال: هذا دليل على نسخ الخبر؛ لأنه يُعارَض بأن يقال: كون ذلك الخبر عند ذلك الصاحب دليل على ضعف الرواية عنه بخلافه، أو لعله قد رَجَع عن ذلك.

والثالث: أنهم إنما يحتجون بهذه الجملة إذا وافقت تقليد أبي حنيفة، ومالك، والشافعيّ، وأما إذا خالف قولُ الصاحب رأي أحد ممن ذكرنا، فأهون شيء عندهم اطِّراح رأي الصاحب، والتعلق بروايته.