فمن ذلك أن عائشة - رضي الله عنها- رَوَت:"فُرِضت الصلاةُ ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر على الحالة الأولى"، ثم رُوي عنها من أصح طريق الإتمام في السفر، فتعلق الحنفيون، والمالكيون بروايتها، وتركوا رأيها؛ إذ خالفت فيه ما روت.
وهي التي روت:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل"، ثم أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وأبوها غائب بالشام، بغير إذنه، وأنكر ذلك إذ بلغه أشدّ الإنكار، فخالفوا رأيها، واتبعوا روايتها، وهي التي رَوَت التحريم بلبن الفحل، ثم كانت لا تُدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، وتُدخل عليها من أرضعه بنات أخواتها، فتركوا رأيها، واتبعوا روايتها.
ورَوَى أبو هريرة من طريق لا تصح عنه إيجاب القضاء على من تعمد الفطر في نهار رمضان، وصحّ عنه أنه لا يجزئه صيام الدهر، وإن صامه، وأنه لا يقضيه، فتركوا الثابت من رأيه للهالك من روايته.
وروى أبو هريرة في البحر:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، ثم روينا عنه من طريق سعيد بن منصور، عن إسماعيل بن إبراهيم، هو ابن عُلية، عن هشام الدستوائي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة:"ماءان لا يجزئان من غسل الجنابة: ماء البحر، وماء الحمام".
ورُوي عن ابن عباس في صدقة الفطر: مُدّان من قَمْح، من طريق لا تصحّ، وصح عنه من رأيه صاع من برّ في صدقة الفطر، فترك الحنفيون رأيه لروايته، وهذا كثير منهم جدًّا، وفيما ذكرنا كفاية تبيّن تناقضهم. انتهى المقصود من كلام ابن حزم، على اختصار، وبعض تغيير (١)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا.
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الأرجح قول من قال بمشروعيّة صوم الوليّ عمن مات، وعليه صوم واجبٌ؛ لظهور أدلتّه، كما تقدّم إيضاحه، بل القول بالوجوب هو الأظهر؛ لمجيئه بصيغة الأمر، ولا صارف له، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.