والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتّب عليها الجواب، خصوصًا المقاتلة.
والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيّؤ لها؛ أي إن تهيّأ لمقاتلته، أو مشاتمته، فليقل: إني صائم، فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكفّ عنه، فإن أصرّ دَفَعه بالأخفّ، فالأخفّ، كالصائل، هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإن كان المراد بقوله:"قاتله" شاتمه؛ لأن القتل يطلق على اللعن، واللعنُ من جملة السبّ -ويؤيّده ما تقدّم من الألفاظ المختلفة، فإن حاصلها يرجع إلى الشتم- فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله:"إني صائم".
واختُلف في المراد بقوله:"فليقل: إني صائم"، هل يخاطب بها الذي يكلّمه بذلك، أو يقولها في نفسه؟. وبالثاني جزم المتوليّ، ونقله الرافعيّ عن الأئمة، ورجح النوويّ الأول في "الأذكار"، وقال في "شرح المهذّب": كلّ منهما حسن، والقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسنًا، ولهذا التردّد أتي البخاري، في ترجمته، فقال:"باب هل يقول: إني صائم إذا شُتِم؟ ". وقال الرويانيّ: إن كان رمضان فليقل بلسانه، وإن كان غيره في نفسه. وادعى ابن العربيّ أن موضع الخلاف في التطوّع، وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعًا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أنه يقوله بلسانه مطلقًا؛ لإطلاق النصّ، فإنه لم يفرّق بين فرض وتطوّع، والله تعالى أعلم.
قال: وأما تكرير قوله: "إني صائم"، فليتأكّد الانزجار منه، أو ممن يخاطبه بذلك.