(عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ) نسبة إلى بيع الزيت، ويقال له أيضًا: السمّان، وكان أبو صالح يتّجر بالزيت والسمن (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأنَا أَجْزِي بِهِ) قال النوويّ رحمه الله: اختَلَف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يُعْبَد أحد غير الله تعالى به، فلم يُعَظِّم الكفار في عصر من الأعصار معبودًا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة، والسجود، والصدقة، والذكر، وغير ذلك، وقيل: لأن الصوم بعيد من الرياء؛ لخفائه، بخلاف الصلاة، والحجّ، والغزو، والصدقة، وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظّ، قاله الخطابيّ، قال: وقيل: إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فتقرّب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، وقيل: معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه، أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهر عز وجل بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل: هي إضافة تشريف، كقوله تعالى:{نَاقَةَ اللَّهِ}[الشمس: ١٣]، مع أن العالم كله لله تعالى. انتهى، وسنعود لاستكمال هذا البحث في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.
(وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ) "الجُنّة" -بضمّ الجيم-: السُّتْرَة، ومنه الْمِجَنّ، وهو الترس، زاد سعيد بن منصور، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "جنة من النار"، وللنسائيّ مثله من حديث عائشة - رضي الله عنها -، ومن حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - بلفظ: "الصوم جنّة من النار، كجنة أحدكم من القتال"، ولأحمد من طريق أبي يونس، عن أبي هريرة: "جنة، وحصن حصين من النار"، وللنسائيّ من حديث أبي عُبيدة بن الجرّاح - رضي الله عنه -: "الصوم جنّة، ما لم يَخْرِقها"، زاد الدارميّ: "بالغيبة" (١)، وبذلك ترجم له هو، وأبو داود.
(١) في كون هذه الزيادة من جملة المرفوع نظر لا يخفى، فإن الظاهر أنها من كلام الدارميّ، راجع: "شرحي" على النسائيّ.