و"الجُنّة": -بضمّ الجيم-: الوقاية والستر، وقد تبيّن بهذه الروايات متعلَّق هذا الستر، وأنه "من النار"، وبهذا جزم ابن عبد البرّ.
وأما صاحب "النهاية"، فقال: معنى كونه جُنّةً: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات.
وقال القرطبيّ: جنة: أي سترة؛ يعني بحسب مشروعيّته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يُفسده، وينقص ثوابه، واليه الإشارة بقوله:"فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث إلخ"، ويصحّ أن يراد أنه سترة بحسب فائدته، وهو إضعاف شهوات النفس، واليه الإشارة بقوله:"يَدَعُ شهوته إلخ"، ويصحّ أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب، وتضعيف الحسنات.
وقال عياض في "الإكمال": معناه سترة من الآثام، أو من النار، أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النوويّ، وقال ابن العربيّ: إنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات.
فالحاصل أنه إذا كفّ نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار في الآخرة.
وفي زيادة أبي عبيدة بن الجرّاح - رضي الله عنه - إشارة إلى أن الغيبة تضرّ بالصيام، وقد حُكي عن عائشة، وبه قال الأوزاعيّ أن الغيبة تفطّر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم.
قال الحافظ: وأفرط ابن حزم، فقال: يبطله كلّ معصية من متعمّد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلًا، أو قولًا؛ لعموم قوله:"فلا يرفث، ولا يجهل"، ولقوله في الحديث الآخر:"من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
والجمهور، وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصّوا الفطر بالأكل والشرب والجماع.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الحافظ على ما قاله ابن حزم بالإفراط غير صحيحة، كيف يقال لمن قال بما اقتضاه ظواهر النصوص: إنه