[والثالث]: -وبه قال الزمخشريّ- أنه اسم صوتٍ، بمعنى ها التي بمعنى أَحْضِرْ.
وإذا قيل: بأنه فعلٌ، فاختُلف فيه على ثلاثة أقوال أيضًا:
[أصحّها]: أن هاءه أصل بنفسها، وأن أصله هاتَى يُهاتي مُهاتاةً، مثلُ رامَى يُرامِي مُراماةً، فوزنه فاعَلَ، فتقول: هاتِ يا زيدُ، وهاتي يا هندُ، وهاتوا يا قومُ، وهاتين يا هنداتُ، كما تقول: رامِ، رامي، راميا، راموا، رامين، وزعم ابن عطيّة أن تصريفه مهجورٌ، لا يُقال فيه إلا الأمر، وليس كذلك.
[الثاني]: أن الهاء بدلٌ من الهمزة، وأن الأصل: أَاْتَى وزنه أَفْعَلَ، مثلُ أَكْرَمَ، وهذا ليس بجيّد؛ لوجهين: أحدهما: أن آتى يتعدّى لاثنين، وهاتى يتعدّى لواحد فقط.
والثاني من الوجهين: أنه كان ينبغي أن تعود الألف المبدلة من الهمزة إلى أصلها؛ لزوال موجب قلبها، وهو الهمزة الأولى، ولم يُسمَع ذلك.
[الثالث]: أن هذه "ها" للتنبيه دخلت على "أتى"، ولزمتها، وحُذفت همزة "أتى دا لزوماً، وهذا مردود، فإن معنى "هات" أَحْضِرْ كذا، ومعنى "ائت": احْضُرْ أنت، فاختلاف المعنى يدلّ على اختلاف المادّة.
فتحصّل في "هاتوا" سبعة أقوال: فعلٌ، أو اسمُ فعلٍ، أو اسم صوتٍ، والفعل هل يتصرّف، أو لا يتصرّف؟ وهل هاؤه أصليّة، أو بدلٌ من همزة، أو هي ها التنبيه زيدت، وحُذفت همزته؟ وأصل "هاتوا" هاتيوا، فاستثقلت الضمّة على الياء، فحُذفت، فالتقى ساكنان، فحُذف أولهما، وضُمّ ما قبله؛ لمجانسة الواو، فصار هاتوا. انتهى كلام السمين الحلبيّ رحمه الله (١).
وفي الرواية التالية: "أرنيه"، من الإراءة، وفي رواية أبي داود والنسائيّ: "أدنيه" من الإدناء، وهو التقريب.
(فَجِئْتُ بِهِ، فَأَكَلَ) زاد في رواية النسائيّ: "وكان يُحبّ الْحَيْسَ" (ثُمَّ
(١) "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" ٢/ ٧١ - ٧٢ عند قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [الأنبياء: ٢٤] الآية.