قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا") أي مريدًا للصوم، وفي رواية النسائيّ:"إني قد أصبحتُ أريد الصوم".
قال النوويّ: رحمه الله: وهاتان الروايتان -يعني هذا الحديث، والذي بعده- هما حديث واحد، والثانية مفسرة للأولى، ومُبَيِّنةٌ أن القصة في الرواية الأولى كانت في يومين، لا في يوم واحد، كذا قاله القاضي وغيره، وهو ظاهرٌ.
قال: وفي الرواية الثانية التصريح بالدلالة لمذهب الشافعيّ، وموافقيه، في أن صوم النافلة يجوز قطعه، والأكل في أثناء النهار، ويبطل الصوم؛ لأنه نفلٌ، فهو إلى خِيرة الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام، وممن قال بهذا جماعة من الصحابة، وأحمد، وإسحاق، وآخرون، ولكنهم كلهم، والشافعيّ معهم متفقون على استحباب إتمامه، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز قطعه، ويأثم بذلك، وبه قال الحسن البصرفي، ومكحول، والنخعيّ، وأوجبوا قضاءه على من أفطر بلا عذر، قال ابن عبد البرّ: وأجمعوا على أن لا قضاء على من أفطره بعذر. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي تمام البحث في هذه المسألة في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.
(قَالَ طَلْحَةُ) بن يحيى الراوي عن عائشة بنت طلحة (فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا) أي ابن جبر، أبا الحجّاج المخزوميّ مولاهم المكيّ الإمام الحجة المشهور المتوفّى سنة (١ أو ٢ أو ٣ أو ١٠٤) تقدّمت ترجمته في "المقدمة" ٤/ ٢١. (بِهَذَا الْحَدِيثِ) أي بما حدّثته عائشة بنت طلحة (فَقَالَ) مجاهد رحمه الله (ذَاكَ) أي الصائم المتطوّع المفطر بعد شروعه في الصوم (بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ) أي ناويًا الصدقة بها (فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَما) أي أنفذ الصدقة، ودفعها للفقير (وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) أي ترك التصدّق بها.
وحاصل ما أشار إليه مجاهد رحمه الله أن إفطار الصائم المتطوّع جائز، وهذا الذي قاله يدلّ عليه ما أخرجه الترمذيّ عن أم هانئ -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها، فدَعَا بشراب، فشرب، ثم ناولها، فشربت، فقالت: يا رسول الله،
(١) سيأتي تعقّب الحافظ رحمه الله لدعوى ابن عبد البرّ رحمه الله الإجماع المذكور، فتنبّه.