للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) أضافه إليه إشارة إلى أنه لم يُفْطِر، وإنما أُمِر بالإتمام؛ لفوت ركنه ظاهرًا.

وفي رواية الترمذيّ: "فلا يُفْطر"، قال العراقيّ رحمه الله: يجوز أن تكون "لا" في جواب الشرط للنهي، و"يُفْطِرْ" مجزوئم بها، ويجوز أن تكون نافية، و"يُفطرُ" مرفوع، وهو أولى، فإنه لم يُرَدْ به النهيُ عن الإفطار، وإنما المراد أنه لم يحصل إفطار الناسي بالأكل، ويكون تقديره: "من أكل، أو شَرِب ناسيًا لم يُفْطر". انتهى.

ثم لَمّا لم يكن أكله وشُربه باختياره المقتضي لفساد صومه، بل لأجل إنساء الله تعالى له؛ لُطْفاً به، وتيسيراً عليه بدفع الحرج عنه عَلَّله بقوله: (فإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ") وفي رواية الترمذيّ: "فإنما هو رزق رزقه الله"، وللدارقطنيّ، من طريق ابن علية، عن هشام: "فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه"؛ يعني أنه ليس له فيه مدخل، فكأنه لم يوجد منه فِعْلٌ، وقال السنديّ رحمه الله: كأن المراد قطع نسبة ذلك الفعل للعبد بواسطة النسيان، فلا يُعدّ فعله جنايةً منه على صومه، مفسدًا له، وإلا فهذا القدر موجود في كلّ طعام وشراب يأكله الإنسان، أكله عمدًا أو سهوًا.

وقال الخطّابيّ رحمه الله: النسيان من باب الضرورة، والأفعال الضروريّة غير مضافة في الحكم إلى فاعلها، ولا يؤاخذ بها. انتهى.

وقال العينيّ رحمه الله: قوله: "فإنما" تعليلٌ لكون الناسي لا يُفطر، ووجه ذلك أن الرزق لَمّا كان من الله تعالى ليس فيه للعبد تحيّل، فلا يُنسب إليه شبه الأكل ناسيأ به؛ لأنه لا صنع للعبد فيه، وإلا فالأكل متعمّدًا حيث جاز له الفطر رزق من الله تعالى بإجماع العلماء، وكذلك هو رزقٌ وإن لم يجز له الفطر على مذهب أهل السنة. انتهى (١).

قال الطيبيّ رحمه الله: "إنما" للحصر؛ أي ما أطعمه، وما سقاه أحد إلا الله تعالى، فدَلَّ على أن النسيان من الله، ومن لطفه في حقّ عباده؛ تيسيرًا عليهم، ودفعًا للحرج. انتهى (٢).


(١) راجع: "المرعاة" ٦/ ٤٩٣.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٥٩٢.