للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جماع، وإنما خصّ الأكل والشرب بالذكر في حديث الباب؛ لكونهما أغلب وقوعاً، ولعدّ الاستغناء عنهما غالباً، قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللهُ-: تعليق الحكم بالأكل والشرب للغالب؛ لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما، وذكر الغالب لا يقتضي مفهوماً. انتهى.

وذهب عطاء، والأوزاعئ، ومالك، والليث بن سعد إلى أن عليه القضاء، لا الكفّارة، وقال أحمد: عليه القضاء والكفّارة، واحتَجّ بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل الذي وقع على أهله أنسيتَ أم تعمّدت، ولو افترق الحال لسأل، واستفصل.

وتعقّبه الخطّابيّ بأن معناه في هذا اقتضاء العموم من الفعل، والعموم إنما يُقْتَضَى من القول دون الفعل، وإنما جاء الحديث بذكر حال، وحكاية فعل، فلا يجوز وقوعه على العمد والنسيان معاً، فبطل أن يكون له عموم، ومن مذهب أبي عبد الله -يعني الإمام أحمد - أنه إذا أكل ناسياً لم يفسد صومه؛ لأن الأكل لم يحصل منه على وجه المعصية، فكذلك إذاس جامع ناسياً، فأما المتعمّد لذلك فقد حصل منه الفعل على وجه المعصية، فلذلك وجبت عليه الكفّا رة. انتهى (١).

وتُعُقّب أيضاً بأن الأصل في الأفعال أن تكون عن عمد، وأن الناسي لا بدّ أن يذكر النسيان إذا استفتى؛ لأنه عذرٌ، ولا يحتاج إلى السؤال عنه (٢).

قال الجامح عفا الله ضه: قد تبيّن بما سبق أن الأرجح قول الأولين من أن من جامع ناسياً لصومه لا يفسد صومه، ولا قضاء عليه، ولا كفّارة؛ لقوّة حجته، فتأمّل بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "معالم السنن" ٣/ ٢٧٧.
(٢) راجع: "المرعاة" ٦/ ٤٩٥ - ٤٩٦.