للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما القياس الذي ذكره ابن العربيّ فهو في مقابلة النصّ فلا يقبل، ورَدُّه للحديث مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلَّم؛ لأنه قاعدة مستقلة بالصيام، فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فُتِحَ باب ردّ الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لَمَا بقي من الحديث إلا القليل، ولردّ من شاء ما شاء.

قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما اعتذار ابن دقيق العيد، فيجاب عنه بأن غاية هذه القاعدة المدّعاة أن تكون بمنزلة الدليل، فيكون حديث الباب مخصّصاً لها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن أرجح المذاهب مذهب الجمهور القائلين بصحّة صوم من أكل أو شرب ناسياً، وأنه لا قضاء عليه؛ لوضوح حجته، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في بيان اختلاف أهل العلم في حكم من جامع ناسياً صومه:

ذهب الحسن البصريّ، ومجاهد، والثوريّ، وأصحاب الرأي، والشافعيّ، وإسحاق أن الجماع ناسياً حكمه حكم الأكل والشرب ناسياً.

واستُدلّ لهم بأن الحديث، وإن ورد في الأكل والشرب، لكنه معلّل بمعنى يوجد في الكلّ؛ أي الأكل والشرب والجماع، وهو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى حيث قال: "فإنما أطعمه الله وسقاه" قطع إضافتها عن العبد بوقوعه فيه من غير قصد واختيار، وهذا المعنى يوجد في الكلّ، والعلّة إذا كانت منصوصاً عليها كان الحكم منصوصاً عليه، ويتعمّم الحكم بعموم العلّة، وكذا معنى الحرج يوجد في الكلّ.

واستُدلّ لهم أيضًا بما تقدّم في رواية ابن خزيمة وغيره من قوله: "من أفطر في شهر رمضان"؛ لأن الفطر أعمّ من أن يكون بأكل، أو شرب، أو


(١) راجع: "الفتح" ٥/ ٢٩٦ - ٢٩٨، و"مرعاة المفاتيح" ٦/ ٤٩٤ - ٤٩٥.