للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الترمذيّ على روايتهم هذا الحديث عن أبي سلمة، عن عائشة - رضي الله عنها -، وخالفهم يحيى بن سعيد، وسالم بن أبي الجعد، فروياه عن أبي سلمة، عن أم سلمة، أخرجهما النسائيّ، وقال الترمذيّ عقب طريق سالم بن أبي الجعد: هذا إسناد صحيحٌ، وَيحْتَمِل أن يكون أبو سلمة رواه عن كلّ من عائشة وأم سلمة - رضي الله عنها -. قال الحافظ: ويؤيده أن محمد بن إبراهيم التيميّ رواه عن أبي سلمة، عن عائشة تارةً، وعن أم سلمة تارةً أخرى، أخرجهما النسائيّ. انتهى (١).

(أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ) أي صوم النفل متتابعاً (حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ) أي ينتهي صومه إلى غاية أن نقول: إنه لا يُفطر في هذا الشهر.

قال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح المشكاة": قوله: "حتى نقول" الرواية بالنون، وقد وجدت في بعض النسخ بالتاء على الخطاب، كأنها قالت: حتى تقول أيها السامع لو أبصرته، والرواية أيضًا بنصب "نقولَ"، وهو الأكثر في كلامهم، ومنهم من رفع المستقبل في مثل هذا الموضع. انتهى (٢).

(وَيُفْطِرُ) أي يستمرّ على الإفطار (حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ) أي ينتهي إفطاره إلى غاية أن نقول: إنه لا يصوم في هذا الشهر، وذلك لأن الأعمال التي يتطوّع بها ليست منوطة باوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها، قاله في "العمدة" (٣).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: معنى هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم متطوِّعاً، فيُكثر، ويوالي حتى تتحدث نساؤه وخاصّته بصومه، ويُفطر كذلك، ومثل هذا حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "كان يصوم حتى يقول القائل: لا يُفطر، ويُفطر حتى يقول القائل: لا يصوم"، وبمثل هذا أخبر - صلى الله عليه وسلم - به عن نفسه، فقال: "بل أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، فمن رَغِب عن سُنّتي فليس منّي"، متّفقٌ عليه. انتهى (٤).

(وَمَا) نافيةٌ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ، إِلَّا رَمَضَانَ)


(١) "الفتح" ٥/ ٣٨٦ - ٣٨٧ كتاب "الصوم" رقم (١٩٦٩).
(٢) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٥٣.
(٣) "عمدة القاري" ١١/ ٨٣.
(٤) "المفهم" ٣/ ٢٢٢.