للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إنما لمِ يستكمل شهراً غيره؛ لئلا يُظنّ وجوبه (وَمَا رَأَيْتُهُ) - صلى الله عليه وسلم - (فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَاماً فِي شَعْبَانَ) قال في "الفتح": قوله: "أكثرَ صياماً" كذا لأكثر الرواة بالنصب، وحَكَى السهيليُّ أنه رُوي بالخفض، وهو وَهَمٌ، ولعل بعضهم كتب "صياماً" بغير ألف على رأي من يَقِف على المنصوب بغير ألف، فتُوُهّم مخفوضاً، أو أن بعض الرواة ظنّ أنه مضاف؛ لأن صيغة "أَفْعَل " تضاف كثيراً، فتوهّمها مضافة، وذلك لا يصح هنا قطعاً (١).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "أكثرَ" ثاني مفعولي "رأيتُ"، والضمير في "منه" راجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و"في شعبان" متعلّق بـ "صياماً"، والمعنى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في شعبان، وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثرَ من صيامه فيما سواه. انتهى (٢).

وقال في "المرقاة": وقيل: قوله: "في شهر" يعني به غير شعبان، وهو حال من المستكنّ في "أكثر"، و"في شعبان" حال من المجرور في "منه" العائد إلى "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "؛ أي ما رأيته كائناً في غير شعبان أكثر صياماً منه كائناً في شعبان، مثل زيد قائماً أحسن منه قاعداً، أو كلاهما ظرف "أكثر"، الأوّل باعتبار الزيادة، والثاني باعتبار أصل المعنى، ولا تعلق له برأيته، وإلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالة واحدة. انتهى (٣).

وفي حديث يحيى بن أبي كثير الآتية: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"، وفي رواية ابن أبي لبيد، عن أبي سلمة، عن عائشة الآتية: "وَلَمْ أَرَهُ صَائِماً مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً".

ورواه الشافعيّ من هذا الوجه بلفظ: "بل كان يصوم إلخ"، وهذا يبيّن أن المراد بقوله في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عند أبي داود وغيره: "أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تامًّا إلا شعبان، يصله برمضان"؛ أي كان يصوم مُعْظَمه، ونقل


(١) "الفتح" ٥/ ٣٨٧.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٠٣.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٤٦٤ - ٤٦٥.