للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الألفاظ، وهي كلها متقاربة في مدلولها، وهو بلا شك نقل بالمعنى، ومضمون هذه الألفاظ: أن هذا الصوم أعدل في نفسه وأكثر في ثوابه. انتهى (١).

(قَالَ) عبد الله (قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ") أي من صوم داود؛، وفي رواية البخاريّ: "فصم صيام نبيّ الله داود، ولا تزد عليه" أي على صوم داود، زاد أحمد وغيره من رواية مجاهد: "قلت: قد قبلتُ".

وقال في "الفتح": قوله: "لا أفضل من ذلك" ليس فيه نفي المساواة صريحاً، لكن قوله في الرواية الأخرى عند البخاريّ: "أحب الصيام إلى الله صيام داود" يقتضي ثبوت الأفضلية مطلقاً، ورواه مسلم والترمذيّ بلفظ: "أفضل الصيام صيام داود"، ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة. انتهى بتصرّف (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: لا شكّ في ثبوت الأفضليّة مطلقاً؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصيام صيام داود" صريح في ذلك، فمن زاد على صوم داود، فقد ترك الأفضل، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو - رضي الله عنه -: لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلَاثَةَ أَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: في قوله: "وصُم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها" (أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي) وفي الرواية التالية: "قال: وقال لي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر، قال: فصِرتُ إلى الذي قال لي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما كَبِرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ".

معنى كلامه - صلى الله عليه وسلم - هذا أنه كَبِرَ وعجز عن المحافظة على ما التزمه، ووَظَّفَه على نفسه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشقّ عليه فعله؛ لعجزه، ولم يُعجبه أن يتركه؛ لالتزامه له، ولأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل"، فتمنى أن لو قبل الرخصة، فأخذ بالأخفّ.

ثم إنه - رضي الله عنه - مع عجزه وتمنيه الأخذ بالرخصة، لم يترك العمل بما التزمه، بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف، كما بُيّن ذلك في رواية الإمام أحمد: "وكان


(١) "المفهم" ٣/ ٢٢٧.
(٢) "الفتح" ٥/ ٣٩٨.