للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو أيضاً من التعسير والتشديد المخالف لما استقرّت عليه هذه الشريعة المطهّرة، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يسّروا، ولا تُعسّروا، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه"، وقال: "أُمِرتُ بالشريعة السمحة السهلة" (١).

فالحاصل أن صوم الدهر إذا لم يكن محرّماً بحتاً، فأقلّ أحواله أن يكون مكروهاً كراهة شديدة. هذا من لا يضعف بالصوم من شيء من الواجبات، أما من كان يضعف بالصوم عن بعض الواجبات الشرعيّة، فلا شكّ في تحريمه من هذه الحيثية بمجرّدها من غير نظر إلى ما قدّمنا من الأدلّة. انتهى كلام الشوكاني (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أرجح الأقوال قول من قال بتحريم صيام الدهر؛ لظواهر الأدلة، كحديث: "لا صام من صام الأبد"، وحديث: "من رغب عن سنتي فليس مني"، قاله - صلى الله عليه وسلم - من قال: أصوم، ولا أفطر، وحديث: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردّ"، وحديث: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ"، وحديث: "ضُيّقت عليه جهنم"، وحديث: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وغير ذلك.

فإن هذه الأدلة إذا لم تفد التحريم، فما الذي يفيده؟، إن هذا لشيء عجبٌ عُجاب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:

[٢٧٣٠] ( … ) - (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّومِيُّ (٣)، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا


(١) أخرجه أحمد بلفظ: "إني لم أبعث باليهودية، ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة … " الحديث. وفي سنده ليّن الحديث، وعلي بن يزيد الألهاني ضعيف.
(٢) "السيل الجرّار على حدائق الأزهار" ٢/ ١٤٢ - ١٤٣.
(٣) وفي نسخة "عبد الله الرومي".