تفطر … "، ومعلوم أن هذا ممتنع عادةً، كامتناع صوم ثلاثمائة وستين يوماً شرعاً.
وقد شبه العمل الفاضل بكل منهما، ويزيده وضوحاً أن أحب القيام إلى الله قيام داود، وهو أفضل من قيام الليل كله بصريح السنة الصحيحة، وقد مثّل من صلى العشاء الآخرة والصبح في جماعة بمن قام الليل كله.
[فإن قيل]: فما تقولون في حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - مرفوعاً: "من صام الدهر ضُيِّقت عليه جهنم، حتى تكون هكذا، وقبض كفه"، وهو في "مسند أحمد"، وغيره.
[قيل]: قد اختَلَف في معنى هذا الحديث، فقيل: ضُيِّقت عليه حصراً له فيها؛ لتشديده على نفسه، وحمله عليها، ورغبته عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واعتقاده أن غيره أفضل منه.
وقال آخرون: بل ضُيِّقت عليه، فلا يبقى له فيها موضع، ورَجَّحَت هذه الطائفة هذا التأويل بأن الصائم لما ضَيَّق على نفسه مسالك الشهوات وطرقها بالصوم، ضَيَّق الله عليه النار، فلا يبقى له فيها مكان؛ لأنه ضيّق طرقها عنه.
ورَجَّحت الطائفة الأولى تأويلها بأن قالت: لو أراد هذا المعنى لقال: ضُيِّقت عنه، وأما التضييق عليه فلا يكون إلا وهو فيها.
قالوا: وهذا التأويل موافق لأحاديث كراهة صوم الدهر، وأن فاعله بمنزلة من لم يصم. انتهى كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو تحقيق نفيسٌ مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "السيل الجرّار" -بعد ذكر حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - المذكور - ما نصّه: هذا وعيد ظاهر، وتأويله بما يخالف هذا المعنى تعسّف وتكلّف، والعجب ذهاب الجمهور إلى استحباب صوم الدهر، وهو مخالف للهدي النبويّ، وهو أمر لم يكن عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما صحّ عنه: "كلّ أمر ليس عليه أمرنا، فهو ردّ"، وهو أيضاً من الرغبة عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن رغب عن سنته، فليس منه، كما تقدّم،