وقد عَلِموا عدم قبولها للصوم، ولم يكن ليجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله:"لا صام ولا أفطر"، فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم.
فهديه الذي لا شك فيه أن صيام يوم، وفطر يوم أفضل من صوم الدهر، وأحبّ إلى الله، وسرد صيام الدهر مكروه، فإنه لو لم يكن مكروهاً لزم أحد ثلاثة أمور ممتنعة: أن يكون أحب إلى الله من صوم يوم وفطر يوم، وأفضل منه؛ لأنه زيادة عمل، وهذا مردود بالحديث الصحيح: أن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأنه لا أفضل منه، وإما أن يكون مساوياً له في الفضل، وهو ممتنع أيضًا، وإما أن يكون مباحاً متساوي الطرفين، لا استحباب فيه ولا كراهة، وهذا ممتنعٌ؛ إذ ليس هذا شان العبادات، بل إما أن تكون راجحة، أو مرجوحة، والله أعلم. قال:
[فإن قيل]: فقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان وأتبعة ستة أيام من شوال، فكأنما صام الدهر"، وقال فيمن صام ثلاثة أيام من كل شهر:"إن ذلك يعدل صوم الدهر"، وذلك يدلّ على أن صوم الدهر أفضل مما عُدِل به، وأنه أمر مطلوب، وثوابه أكثر من ثواب الصائمين، حتى شُبِّه به من صام هذا الصيام.
[قيل]: نفس هذا التشبيه في الأمر المقدَّر لا يقتضي جوازه فضلًا عن استحبابه، وإنما يقتضي التشبيه به في ثوابه لو كان مستحبًّا، والدليل عليه من نفس الحديث، فإنه جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر بمنزلة صيام الدهر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائة وستين يوماً، ومعلوم أن هذا حرام قطعاً، فعُلم أن المراد به حصول هذا الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوماً، وكذلك قوله في صيام ستة أيام من شوال: إنه يعدل مع صيام رمضان السنة، ثم قرأ:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: ١٦٠] الآية فهذا صيام ستة وثلاثين يوماً تعدل صيام ثلاثمائة وستين يوماً، وهو غير جائز بالاتفاق.
بل قد يجيء مثل هذا فيما يَمتنع فعل المشبَّه به عادةَ، بل يستحيل، وإنما شُبِّه به من فعل ذلك على تقدير إمكانه، كقوله من سأله عن عمل يعدل الجهاد: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم، ولا تفتر، وأن تصوم ولا